فان الوحدة والاستمرار الذين يدعي ظهورهما من العموم ، يراد منهما الوحدة والاستمرار في مرحلة الخارج ، لا الوحدة والاستمرار في مرحلة الإنشاء والجعل ، وهما غير محققين بعد التخصيص وثبوت الحكم للخاص بعد زمانه ، ولأجل ذلك لا يتمسك بالعموم فيه.
واما ما ساقه من البرهان على عدم اعتبار الوحدة الخارجية من عدم تحققها أصلا لتعدد الإطاعة والمعصية الكاشف عن تعدد الحكم ، فلا ينافي ما ذكرناه ، فان المراد من الوحدة الخارجية المعتبرة انما هو الوحدة بنظر العرف التي يمكن انطباقها على التعدد الدقي ، وهي متحققة في حكم العام بالنسبة إلى افراده ، وتنثلم بالتخصيص. فعدم إمكان الوحدة في مرحلة الخارج بمعنى ، لا يتنافى مع دعوى الوحدة في هذه المرحلة بمعنى آخر.
__________________
الزمان بين المبدأ والمنتهى ، لأنّ الاستمرار اسم لثبوت الحكم في تمام الأزمنة ومجموعها.
وعليه فإذا دلّ الدليل على انقطاع الحكم وعدم ثبوته في الأثناء لم يكن ذلك من تقييد المطلق ببعض حصصه كي يرجع إليه في سائر الحصص ، بل هو مناف لأصل الدليل على الاستمرار ومسقط له عن الاعتبار ، ومعه لا دليل على ثبوت الحكم بعد زمان التخصيص فلفظ الاستمرار نظير لفظ « عشرة » في سقوطه مع معارضته بما هو أقوى منه وعدم الرجوع إليه في غير مورد الدليل المعارض.
نعم دلالة الدليل على ثبوت الحكم في الجملة تبقى على حالها لعدم ما يعارضها. ويبقى سؤال أنّه إذا انتفت دلالة الدليل على الاستمرار وبقيت دلالته على الحكم في الجملة فما هو الوجه في الالتزام بثبوت الحكم قبل زمان التخصيص ، إذ يكون ما قبل زمان التخصيص وما بعده بالنسبة إليه على حدّ سواء؟
والجواب عنه هو ما سيأتي ـ في تحقيق كلام الكفاية ـ من الالتزام بوجود ظهور آخر للدليل وهو ظهوره في ثبوت الحكم بمجرد تحقّق موضوعه ، ومقتضاه ثبوت الحكم فيما قبل زمان التخصيص.
وإذا تحقّق لديك ما بيّناه فنقول : أنّ محطّ كلام الشيخ (ره) وغيره هو ما إذا كان الدليل دالا على استمرار الحكم ولو بنحو المعنى الحرفي ، وعليه فلا يتّجه ما أفاده المحقّق الأصفهاني في مناقشته بالرجوع إلى الإطلاق الأزماني وبيان أنّ الإطلاق رفض القيود ، إذ عرفت أنّ دلالة الدليل المزبور على ثبوت الحكم في تمام الأزمنة ليس بالإطلاق الراجع إلى رفض القيود بل بمقتضى الوضع نظير دلالة لفظ اليوم على جميع الأجزاء بين المبدأ والمنتهى ، فيمكن أن نقول : أنّ ما أفاده ( قده ) لا يخلو عن خلط بين المقامين ، فتدبّر ولا تغفل.