حجيته في ما هو ظاهر فيه ، وإلاّ رجع إلى الأمر الثاني ـ أعني : لسان الدليل ـ وبما ذكرنا (١) يندفع ما قد يقال : من انه ما المراد من جعل النّظر العرفي
__________________
(١) تحقيق الكلام في هذا المقام أن يقال : إنّ الحكم الشرعي بناء على ما هو الصحيح من كونه غير الإرادة والكراهة ، بل هو أمر اعتباري يتحقّق بالإنشاء القولي أو الفعلي لا واقع له سوى مقام الإنشاء والدليل بمعنى أنّ الإنشاء والدليل في مقام الإثبات ليس كاشفا عن الحكم بوجوده الواقعي بل هو محقّق للحكم وسبب لتحقّق الاعتبار ، فنسبة الإنشاء إلى الحكم ليست نسبة الدالّ إلى المدلول بل نسبة السبب إلى المسبّب ، وليس له وجود واقعي منفصل عن الإنشاء ويكون الإنشاء طريقا إليه كما يظهر من بعض التعبيرات ، كالتعبير بمقام اللب والواقع ومقام الإنشاء والإثبات فإنّ ذلك ليس بسديد. وإذا كان الأمر كذلك فلا محصّل لدعوى تشخيص موضوع الحكم بطريق العقل أو العرف قبالا للدليل ، بل الحكم يدور مدار الإنشاء وما قصده المنشئ بإنشائه لا يتعدّاه بتاتا وأيّ دخل للعقل في ذلك؟ وكيف يتصوّر حكم العقل بان موضوع الحكم كذا إذا فرض أنّ الإنشاء على خلافه؟ بل حكم العقل يناط بكيفيّة الإنشاء الّذي هو سبب الحكم. فإنّه يدرك المسبّبات من طريق أسبابها.
ولا سبيل له لإدراك مناطات الأحكام كي يستطيع للحكم بدخالة قيد وعدم دخالة آخر ومثل ذلك يقال في نظر العرف ، فإنه لا أساس له ، إذ ليس الحكم من أحكام العرف كي يكون له نظر فيه ، فلا معنى لأن يكون له نظر في الحكم الشرعي يخالف الدليل.
نعم قد يكون له نظر خاص في باب الألفاظ أو من ناحية ارتكازاته بنحو يكون موجبا لتغيير ظهور الدليل البدوي إذا كان بمنزلة القرينة المتّصلة ، أو موجبا لعدم حجيّته إذا كان بمنزلة القرينة المنفصلة المانعة عن الحجية أو الكاشفة عن عدم الظهور كما في المقيّد المنفصل على التحقيق ، لكنّه نظر يرجع إلى تشخيص المراد والمقصود بالدليل لا أنّه في قبال الدليل وما يراد به.
ومثله يقال في بعض أحكام العقل التي يقيّد بها الدليل كتقييد الأحكام بالقدرة أو الشعور والتمييز ، فإنّه يرجع إلى تشخيص أنّ المراد بالدليل رأسا هو المقيّد.
وبالجملة : كل ما يقصده المنشئ هو المتّبع والكاشف عنه الدليل الإنشائي ولو بضميمة حكم العقل أو العرف وقرينتهما المتّصلة أو المنفصلة.
وأما غير ذلك فلا محصّل له ، بل عرفت أنّ العقل والعرف لا معنى لأن يكون له نظر في قبال ما يحكيه الدليل عن قصد المنشئ ، فالمقابلة غير سديدة.
وإذا عرفت ما بيّنا فنقول : ليس المراد بالموضوع الّذي يعتبر بقاؤه بكل ما يكون دخيلا في تحقّق الحكم ، بل ما كان معروضا للحكم فإنّ بقاؤه هو المحقّق لوحدة القضيّتين وصدق البقاء والنقض.
ولا نريد بالمعروض هو المعنى المصطلح له ، وذلك لأنّ معروض الحكم ـ بالمعنى المصطلح ـ هو خصوص متعلّقه كالإكرام في مثل « أكرم زيدا » أما متعلّق المتعلّق كزيد في المثال فليس معروضا للحكم.