كانت القرينة المتصلة تختلف عن المنفصلة في انها قد توجب تصرفا في الظهور الاستعمالي ـ كما توجب تصرفا في المراد الجدي بحسب الظاهر ـ فيما لم يكن الجمع بين الظهور الأولى البدوي للكلام وظهور القرينة في مؤداها ، فتقلب ظهور الكلام حينئذ إلى الظهور الثانوي له ، كما في المجاز على المشهور ، نحو : « رأيت أسدا يرمي » ، فان : « يرمي » أوجبت التصرف في ظهور : « أسد » في معناه الحقيقي وظهوره الأولى الّذي هو السبع المخصوص ، وقلب ظهوره إلى الظهور الثانوية وهو الظهور في الرّجل الشجاع ، لمكان المنافاة بين الرمي والسبع المخصوص.
امّا مع إمكان الجمع ، فلا تتكفل الا بيان المراد الجدي ، كما في المثال المذكور على رأي السكاكي (١). فانه ذكر ان : « أسدا » مستعمل في معناه الحقيقي. وامّا الجمع فهو يجعل التصرف في أمر عقلي وهو تطبيق السبع المخصوص على الرّجل الشجاع وجعل الشجاع من افراده. فالقرينة ـ أعني يرمي ـ على قرينتها. والظهور الاستعمالي للكلام على ظهوره.
فالقرينة المتصلة والمنفصلة تشتركان في كونهما يتكفلان بيان مراد المتكلم الجدي من كلامه ، فإذا كانت إفادة المراد الجدي وبيانه بالمدلول اللفظي ـ سواء كان المطابقي أو الالتزامي العرفي ـ كانت القرينة مقدمة على ذي القرينة عرفا ، بحيث لا يلاحظ العرف بينهما مرجحات التقديم من أقوائية الظهور والنسبة من العموم والخصوص وغير ذلك ، بل لا يتوقف أصلا في تقديم الدليل والمتكفل بمدلوله اللفظي لبيان المراد الجدي من دليل آخر عليه ، بل بملاحظة هذه الجهة لا يرى ان هناك منافاة بين الدليلين كي يتحير في طريقة الجمع بينهما ، ويكون ملاك تقديمه عليه كما لو صرح الجاعل بان مرادي الجدي من هذا الكلام يعرف بدليل آخر ، فبملاك القرينية يتقدم الدليل الحاكم على المحكوم ـ لأنه متعرض
__________________
(١) على ما نقل من مفتاح العلوم ـ ١٥٦ ، الفصل الثالث في الاستعارة.