كان يتكفل التعبد باليقين بالوضوء ، إلاّ ان قوله بعد ذلك : « ولا ينقض اليقين أبدا بالشك » ظاهر في بيان قاعدة كلية يتكفل التعبد باليقين في كل موارد اليقين والشك ، فيكون التعبد باليقين في باب الوضوء من باب أنه صغرى من صغريات هذه الكلية ومصداق من مصاديقها ، فهي جملة مستأنفة تفيد أن الحكم لا يختص بباب الوضوء ، بل يجري في كل يقين وشك ، نظير أن يقول : « ان جاءك زيد فأكرمه وأكرم كل من يجيئك ».
وبالجملة : لا يراد من قوله : « لا ينقض ... » خصوص اليقين بالوضوء ، وإلاّ كان تكرارا لقوله : « فانه على يقين من وضوئه » وهو خلاف الظاهر.
واما على الاحتمال الأول ، فهي بحسب الموازين ظاهرة في اختصاص الاستصحاب بباب الوضوء ، لأن قوله عليهالسلام : « فانه على يقين ... » فرض انه تعليل للحكم المقدر وهو عدم وجوب الوضوء.
والظاهر ان العلة مركبة من صغرى وهي قوله : « انه على يقين من وضوئه » ، وكبرى وهي : « لا ينقض اليقين بالشك ». ومن الواضح لزوم اتحاد الأوسط المتكرر في الصغرى والكبرى بحسب القيود والخصوصيات ، فإذا تقيد الأوسط بقيد في الصغرى لا بد ان يتقيد به في الكبرى ، ولا معنى لتجرده في الكبرى عن القيد ، إذ المقصود في القياس هو إثبات الأكبر ، للأصغر بواسطة حمل الأوسط على الأصغر ، وحمل الأكبر على الأوسط ، فالأوسط في الكبرى يلحظ طريقا لإثبات الأكبر للأصغر ، فإذا فرض ان الأكبر ثابت له بنفسه بلا خصوصية للقيد فلا معنى ان يكون المحمول على الأصغر هو المقيد ، إذ لا أثر للقيد ولا خصوصية له في إثبات نتيجة القياس.
وعليه ، فتقيد الأوسط في الصغرى يكشف عن تقيده في الكبرى ، وإلاّ كان التقيد لغوا ، وهو خلف. فلا يصح ان يقال : « هذا عالم بالفقه ـ على أن يكون الفقه قيدا ـ وكل عالم يجب إكرامه » إذا فرض ان وجوب الإكرام ثابت للعالم