في جميع هذه الأنحاء ، وأشاع التوازن بين عامة هذه الاصقاع. فلم يغفل غريزة من رشده ولم يهمل خليقة من تهذيبه ، ثم لم يخالف حكم الطبيعة الحكيمة التي ركبت هذه الأشياء في الانسان ، فلم يحف على جهة منها في حكم ، ولم يتحيّز لناحية منها في تشريع.
وعرفنا ان الدين الحق ماوهب الضمير الإنساني بصيرة نفاذة الى الحقائق وطاقة مطبوعة على الخير ، وزوده بالاقيسة العادلة والموازين المعصومة ثم بسط سلطان هذا الضمير على ارادة الفرد ، ومد رقابته الى اعمال الغير مداً رفيقاً يحقق به معنى التعاون على البرّ والتواصي بالحق ، ولا يمس به كرامة الاختيار.
وعرفنا أن الدين الحق ما كان للمجتمع البشري روحاً حياً يكوّن وحدته ، ونظاماً ثابتاً يشد علائقه ويضبط حدوده ، وعقلا مرشداً يدبر حركاته ويوجهه في اعماله. ثم قوة وازعة تتولى صون العلائق فيه وتنفيذ الحقوق ..
وعرفنا أن الدين الحق ماشمل الانسانية بجميع حدودها وتخومها ، وبكل عناصرها وظلالها ، فلم يختص بعنصر منها دون عنصر ، ولم يميز فريقاً منها عن فريق ..
بهذه الالوان الثابتة نملك ان نتعرف على الدين الصحيح متى اردنا ذلك ، وعلى هذه الموازين نستطيع أن نعرض الاديان المختلفة اذا اردنا احقاق الحق منها وتزييف الزائف. أما ادلة هذه الفتاوى فقد تقدم البعض الكافي منها في الفصول السابقة.
ولا أغلو فأزعم أن كل واحدة من هذه
الخصائص سمة مستقلة تكفي