لا أوقف قارئي طويلاً ثم لا أحيله بعيداً. فهذا القرآن معجزة الإسلام الاولى لنضعه بين أيدينا ثم لننظر أي ناموس من نواميس الكون نقض وأي مجرى من مجاري الطبيعة غيّر ؟.
لم يحيي القرآن ميتاً ، ولم يحول لهب النار برداً ، نعم ولم يرسل طوفاناً من ماء ولا فجّر ينبوعاً من حجارة صماء. لم يصنع القرآن شيئاً من هذا القبيل ولكنه جاء بالبلاغة ، والبلاغة كمال يطمح اليه الانسان ، ويتباهى بالتحليق اليه كل عربي وكل قرشي على الخصوص ، والعرب وقريش أئمة البيان ولا منازع ، وأمراء البلاغة ولا نكير.
هذا الشيء المحسوس المرغوب أتى به كتاب الإسلام ، ثم تحدى الفرد وتحدى الامة ، وتحدى الجيل والأجيال والجن والانس ، تحدى هؤلاء جميعاً ان يأتوا بسورة من مثله ... بلى بسورة واحدة من أقصر سوره لا بأكثر !!.
وظن الانسان من نفسه القدرة بادىء بدء فأثار التحدي لأن يساجل ، وحفزه الطموح لأن يقارع ، ثم مد بصره نحو القمة فأخذه الدوار ، ونقل قدمه الى الغاية فملكه الرعب ، وحرك لسانه للقول فعقده العي.
فتراجع مبهوراً ... ثم اعترف مقهوراً ! ..
ومعجزات الإسلام لاتجمع الايمان جمعاً ثم تدفقه في القلوب دفقاً كالسيل يزلزل الثوابت ان تقيسه ، وكالبرق يخطف بالابصار أن تحده ويكد النفوس أن تحققه. بل تعلن تباشير الايمان للقلوب كما يعلن السحر تباشير الفجر للكون المظلم ، ثم تبعثه كما ينبعث الفجر ضعيفاً على قوته خفياً على ظهوره.
ثم يترفع النور قليلا قليلاً ، ويسفر
الصبح رويداً رويداً ، ويشع الافق ،