واستيقن الكتاب المسلمون أن حقوق البشرية تفرض عليهم النصيحة ، وأن أمانة الحق تقتضيهم الوفاء ، وان عهد الله سبحانه يلزمهم بالتبليغ. فطفقوا يلوّحون للسادرين بالأيدي ويؤمون بالأكف ويرشدون بالألسنة ، ويوجهون بالاقلام الى النبع الصافي الذي لايرنقه كدر ، والرواء الكافي الذي لاتعكره غصة ، الى العقيدة المتزنة التي توحي بها الفطرة ويعززها البرهان والتشريع الحق الذي تقرره الحكمة ويثبته العدل. الى عقيدة الإسلام العليا وطريقته المثلى. وهذه المقارنات إحدى الصيغ التي يؤدّون بها هذا النصح ، ويوفون بها هذا العهد ، ويبلغون بها هذه الدعوة.
أما الامور التي انكرها العقل والضرورة والطبيعة من تلك الديانة ومن تلك الكتب. أما المآخذ التي حكمت على المسيحية بهذه العقبى وأفضت بها الى هذا الخسران ، وأما هذه الامور فهي كثيرة ، ويكفي للدلالة عليها :
(١) هذا الاسفاف الزري في تفسير معنى الألوهية ، وفي تصوير حقيقة الاله. فربّ ( العهد القديم (١) ) يجهده عمل ستة أيام وياخذ منه الاعياء حتى يكاد يتهالك في اليوم السابع ليستريح ويختبيء عنه آدم وزوجته حواء بين شجر الجنة كيلا يراهما عاريين ، فلا يعلم بهما أين ذهبا ، ولا يدري لماذا اختفيا عنه ، ويحذر من آدم أن يأكل من شجرة الحياة كما أكل من شجرة المعرفة فيشاركه في الخلود كما شاركه في التمييز بين الحسن والقبيح ، فيطرده
__________________
١ ـ العهد القديم : الاسفار التي كتبت قبل المسيح ـ على ما يقولون ـ من مجموعة الكتاب المقدس.
والعهد الجديد : الأسفار التي كتبت بعد المسيح من هذا الكتاب.