والكتروناتها الدائرة وجسيماتها المؤتلفة ، كل أولئك له نظام ثابت وسنن دقيق لن يحيد عنه أبداً وليس في مكنته أن يحيد وقد فسح العلم الحديث للانسان هذا المجال وأشبع له هذه النهمة.
يفتح هذا الانسان الواعي بصره فيشاهد الانظمة والضوابط ملء الكون الفسيح وملء جنباته ودقائقه وذراته ، فلكل شيء من الأشياء سنة ، ولكل بعض من أبعاضه أو صفة من صفاته سنة ، ولكل شيء مع غيره علاقة تحكمها سنة ، ولكل طائفة من الأشياء سنة ، ولكل مجموعة من الطوائف المتجانسة أو المتخالفة سنة ولمجموعة المجموعات وطائفة الطوائف سنة.
يرى ذلك بعينيه ولا يرتاب في شيء منه ولا يجادل ، ويسخر ممن يشكك أو يجادل فيه ، ثم يغمض عينيه بعد كل هذا الجهد ويهمس في نفسه :
أَلِلإنسان كما لسائر الأشياء سنن ثابت ونظام مفروض ؟
أَلِهذا الكائن العاقل نظام محدد يجب عليه أن يتبعه في خطوات الى غايته ، ولا يسوغ له ان يحيد عنه ، ام هي الفوضى المطلقة المرسلة فلا حد لها ولا شرط ؟
عن الانسان يتسائل !!
عن أرقى نماذج الطبيعة ، وأبدع مظاهر القدرة ، وعن أسمى ناحية في هذا الكائن الراقي ، وأنبه صفة من مميزاته. عن رقيه الى كماله الاختياري !!
عن الانسان وحده من بين موجودات هذا العالم العريض ، وعن سلوكه الاختياري خاصة من بين سائر اتجاهاته الكثيرة. كأنه يريد للعقل أن يعلن الفوضى وأن يخرج على النظم !!أو كأنه يريد للانسان أن يكون أحط منزلة من سائر المخلوقات !