يلي : منها أنه كان « ورعا » كما كان والده أيضا ورعا تقيا. وليس معنى هذا أنه ورث هذه الصفة عن والده ، بل معناه أنه تأثر بأبيه ومحاكاته له.
ومن مظاهر ورعه أنه كان مع اشتغاله بالتأليف والتدريس يحرص على قراءة قدر من القرآن الكريم ، اعتاد أن يقرأه ، وكانت قراءته للقرآن تجمع بين الترتيل الجيّد الممثل للمعاني ، وبين الخشوع المصور للجلال ، حتى لقد كان بعض سامعيه يقول إنه لم يكن يظن أن إنسانا يحسن أن يقرأ هذه القراءة. ووصفه « عبد العزيز بن محمد الطبري » بأنه كان مجوّدا في القراءة ، موصوفا بذلك ، يقصده القراء ليصلوا خلفه ، ويسمعوا قراءته وتجويده (١).
قال « أبو علي الطوماري » : كنت أحمل القنديل في شهر رمضان بين يدي « أبي بكر بن مجاهد » لصلاة التراويح ، فخرج ليلة من ليالي العشر الأواخر من داره ، ومررنا على مسجده فاجتازه ولم يدخله ، وسار حتى وقف على باب مسجد « الطبري » وكان « الطبري » يقرأ سورة « الرحمن » فاستمع لقراءته طويلا ثم انصرف. فقلت له : يا أستاذ تركت الناس ينتظرونك ، وجئت تسمع قراءة « الطبري »؟ فقال : « يا أبا علي ، دع عنك ، ما ظننت أن الله خلق بشرا يحسن أن يقرأ هذه القراءة » (٢).
ومن الصفات التي اتصف بها : « إباؤه » وعزّة نفسه ، فلم يستهن بكرامة نفسه مرة ، وقد لزمته هذه الصفة طيلة حياته ، حتى كان يرفض الهدايا والمنح ، لأنه جرى على ألا يقبل هدية لا يستطيع أن يكافئ بمثلها ، فإن كانت فوق طاقته ردّها ، واعتذر إلى مهديها. وكثيرا ما رفض هدايا الوزراء ، والكبراء على تشوقهم إلى أن يقبلها.
__________________
(١) انظر طبقات الشافعية ج ٢ ص ١٣٧.
(٢) انظر طبقات المفسرين ص ٣١.