ومن صفات « الطبري » : جرأته في الحق. ولا غرابة في أن يكون « الطبري » شجاع القلب ، جريئا في إعلان ما يعتقده حقّا ، لأنه قد استكمل الأسباب التي تسلحه بهذه الجرأة من علم واسع ، وورع مشهور ، واستهانة بالدنيا ومظاهرها. لهذا كان ممن لا تأخذه في الله لومة لائم.
وقد عرض عليه القضاء فأبى أن يقبله ، وربما كان « ورعه » هو السبب في رفضه ولاية المظالم مخافة أن يجور في حكم من أحكامه. ويذكر أن « الخاقاني » لما تقلد الوزارة أرسل الى « الطبري » مالا كثيرا ، فأبى أن يقبله فعرض عليه القضاء فامتنع (١).
ومن صفات « الطبري » التواضع : يعرف في كثير من العلماء سماحة النفس ، ودماثة الخلق ، ورقة المعاملة ، والتواضع الذي لا يمسّ كرامة المؤمن بل يعليها ، من هؤلاء العلماء « أبو جعفر الطبري ».
فقد كان رحمهالله ورعا زاهدا في الدنيا ، راغبا عما بأيدي الناس ، وكان عظيم الأنفة والإباء ، فاستغنى بذلك عن الزهو والخيلاء. ومن مظاهر تواضع « الطبري » أنه كان يعطف على تلاميذه ، ويتواضع في معاملتهم حبّا لهم ، وثقتهم من حبّهم له.
ذكر « ابن كامل » أن بعض تلاميذ « الطبري » آلمه في مجلس الأستاذ ، فانقطع « ابن كامل » عن المجلس مدّة ، ثم قابله « الطبري » فجعل يعتذر له ، ويترضاه ، ويترفق به ، كأنه هو الذي آذاه. فرضي « ابن كامل » وعاد إلى مجلس « الطبري » (٢)
ومن صفات « أبي جعفر الطبري » مضاء عزيمته : أولع « الطبري » بحبه
__________________
(١) انظر طبقات الشافعية ج ٢ ص ١٣٧.
(٢) انظر معجم الأدباء ج ١٨ ص ٥٤.