وقد اتصف « ابن المنادي » بكثير من الصفات النبيلة التي تتفق وتعاليم الإسلام ، من هذه الصفات أنه كان شديد العناية بصدق الرواية ، ولا يقبل الكذب أيا كان نوعه ومن جرب عليه الكذب ولو مرة واحدة فانه لا يقبله في حلقة درسه ، لأن المحدث يجب أن يتحلى بالصدق في جميع الأحوال.
حول هذا المعنى يروي لنا الخطيب البغدادي هذه الحادثة فيقول : قال لي « أبو الحسن بن الصلت » : كنا نمضي مع « ابن قاح الوراق » إلى « ابن المنادي » لنسمع منه فاذا وقفنا ببابه خرجت إلينا جارية له وقالت : كم أنتم؟ فنخبرها بعددنا ، ويؤذن لنا في الدخول ويحدثنا ، فحضر معنا مرة إنسان علوي وغلام له فلما استأذنا قالت الجارية : كم أنتم؟ فقلنا : نحن ثلاثة عشر ، وما كنا حسبنا العلوي ولا غلامه في العدد ، فدخلنا عليه ، فلما رآنا خمسة عشر نفسا قال لنا : انصرفوا اليوم فلست أحدثكم ، فانصرفنا وظننا أنه عرض له شغل ، ثم عدنا إليه مجلسا ثانيا ، فصرفنا ولم يحدثنا ، فسألناه بعد ذلك عن السبب الذي أوجب ترك التحدث لنا ، فقال : كنتم تذكرون عددكم في كل مرة للجارية فتصدقون ، ثم كذبتم في المرة الأخرى.
ومن كذب في هذا المقدار لم يؤمن أن يكذب فيما هو أكبر منه ، قال : فاعتذرنا إليه وقلنا : نتحفظ فيما بعد ، فحدثنا » ١ هـ (١).
وهكذا يجب على كل مسلم وبخاصة العلماء التحلي بالصدق ، الذي هو من أسمى الصفات الحميدة ، والنبي صلىاللهعليهوسلم كان يلقب قبل بعثته عليه الصلاة والسلام بالصادق الأمين.
وتعاليم الهادي البشير صلىاللهعليهوسلم كلها تحث على الصدق وتحذر من الكذب.
__________________
(١) انظر تاريخ بغداد ج ٤ ص ٦٩ ـ ٧٠.