أحمد ، كيف رأيت الأمر؟. فقال لي : الفوز ، والأمن للذين قالوا : ربنا الله ثم استقاموا (١).
حقا ، لعلها رؤيا صادقة ، وصدق الله حيث قال في كتابه العزيز : ( إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ. نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ ، وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ. نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ) (٢). لأنه كان يدخر ذلك العمل عند الله تعالى ، ومما يدل على ذلك الحادثة التالية : يقول الخطيب البغدادي : كتب « أبو حامد مع رجل من خراسان كتابا إلى « عبيد الله بن مهران » يشفع له أن يأخذ عليه القرآن ، فظن « عبيد الله » أنها مسألة قد استفتي فيها ، فلما قرأ الكتاب غضب ورماه من يده وقال : أنا لا أقرأ القرآن بشفاعة.
ثم يقول البغدادي : حدثني أبو القاسم منصور بن عمر الفقيه الكرخي قال : لم أر في الشيوخ من يعلم العلم لله خالصا لا يشوبه بشيء من الدنيا غير « أبي أحمد الفرضي » فإنه كان يكره أدنى سبب حتى المديح لأجل العلم.
قال : وكان قد اجتمعت فيه أدوات الرئاسة من علم ، وقرآن ، وإسناد ، وحالة متسعة في الدنيا ، وغير ذلك من الأسباب التي يداخل بمثلها السلطان ، وتنال بها الدنيا ، وكان مع ذلك ورع الخلق.
وكان يبتدئ كل يوم بتدريس القرآن ، ويحضر عنده الشيخ الكبير ذو الهيئة ، فيقدم عليه الحدث لأجل سبقه ، واذا فرغ من إقراء القرآن تولى قراءة الحديث علينا بنفسه فلا يزال كذلك حتى تستنفد قوته ، ويبلغ النهاية من جهده في
__________________
(١) انظر تاريخ بغداد ١٠ / ٣٨١.
(٢) سورة فصلت الآيات ٣٠ ـ ٣٢.