يحنون إلى الليل كما تحن الطيور إلى أوكارها يقومون بين يدي الله خاشعين مصلين يسبحونه ويعظمونه سجداً وقياماً.
وربما كان منظرهم هذا وانهماكهم بالعبادة موجباً لأن يتخيل الإنسان أن هؤلاء رهباناً عباداً تركوا الدنيا وعزفت نفوسهم عن كل شيء ، واتجهوا إلى الله فأين الاعتدال في أوضاعهم ؟
وسرعان ما يتبدد هذا التصور عندما نراهم يطلبون من الله ، وهم في مثل هذا الحال قائلين :
( والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذريتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً ) (١).
فهم في الوقت الذي يؤدون ما عليهم اتجاه خالقهم يريدون منه أن يهيء لهم أزواجاً ، ومن الأزواج ذرية طيبة تقر بذلك أعينهم فهم يجمعون بين الغذائين الروحي والجسدي.
وأما مع مجتمعهم فهم يتحسسون مشاكله ويعيشون آلام الطبقات الضعيفة ينفقون مما رزقهم الله ولا يضنون بالمال عليهم ، ولكن بشكل معتدل يرضون به ربهم ويحفظون به على رصيدهم.
( والذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً ) (٢).
وهذا هو الخط المعتدل في الصرف والانفاق « لم يسرفوا ولم يقتروا » حفاظاً على المال ورعاية له.
__________________
(١) سورة الفرقان / آية : ٧٤.
(٢) سورة الفرقان / آية : ٦٧.