وصار يعتمد عليها كالكتاب والسنة ؟ فهي لم ترد علىٰ لسان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم ينزلها الله علىٰ نبيه ولم يقس صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم يستحسن ، بل كان كما قال الله ( إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) (١) ، ولم يكن صلىاللهعليهوآلهوسلم يرىٰ لرأيه واجتهاده دوراً في التشريع ، قال تعالىٰ : ( إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ ) (٢).
فالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يحكم بما يريه الله ولم يقل بما رأيته وبما قسته وبما استحسنته.
والملاحظ أنّ مصادر التشريع هذه محلُّ خلاف بين العلماء ، فتجد الحنفية قد أفرطوا في الاعتماد علىٰ القياس ، بعكس الحنابلة الذين لم يعتمدوه إلاّ قليلاً ، أمّا أهل الظاهر فقد أنكروه مطلقاً ، وأنكر الشافعية والمالكية المصالح المرسلة ، وأنكر الشافعي الاستحسان فقد ورد عنه : « من استحسن فقد شرّع » (٣).
ولنفترض وجود القياس والاستحسان... من ضمن مصادر التشريع ، ولكن ألا تحتاج إلىٰ بيان كامل لمعالمها وكيفية تطبيقها عملياً ؟ وقد تقرّر أُصولياً : أنّه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ، ووقت الحاجة متحقق بموت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ومات النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم يبين معالم هذه المصادر ولم يطبّق بعض الموارد عمليّاً.
إنّ نسبة هذه الرؤية السلبية لمستقبل الإسلام إلىٰ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كانت ثغرة
__________________
١) النجم : ٤.
٢) النساء : ١٠٥.
٣) جميع كتب الأصول : مبحث الاستحسان.