على أنفسكم (١) لأنّ الشهادة بيان الحقّ سواء كان عليه أو على غيره وسواء كان المشهود له أو عليه غنيّا أو فقيرا فلا تمتنعوا من الشهادة أو لا تجوروا فيها ميلا إلى الغنيّ أو ترحّما على الفقير ، فانّ الله هو المتولّي لهما ، والعارف بمصالحهما ، وتثنية الضّمير في « بِهِما » لرجوعه إلى ما دلّ عليه المذكور ، وهو جنسا الفقير والغنىّ ، لا إليه وإلا لوحّد ، ويدلّ عليه أنّه قرئ شاذّا « فَاللهُ أَوْلى بِهِما ».
قوله « أَنْ تَعْدِلُوا » أي لأن تعدلوا عن الحقّ ، أو كراهة أن تعدلوا ، قوله « وَإِنْ تَلْوُوا » ألسنتكم عن شهادة الحقّ أو حكومة العدل « أَوْ تُعْرِضُوا » عن أدائها « فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً » فيجازيكم عليه وفيه نوع تهديد ومبالغة.
إذا عرفت هذا فقد دلّت الآية على أمور :
١ ـ وجوب إقامة العدل في الحكومات مطلقا على نفسه أو على غيره.
٢ ـ وجوب إقرار الإنسان على نفسه بحقّ يكون ثابتا في ذمّته.
٣ ـ وجوب إقامة الشّهادة على الوالدين ، وهو مذهب المرتضى (٢) وابن
__________________
(١) وذلك لان الدعوة والشهادة والإقرار يشترك جميعها في الاخبار عن حق لأحد على أحد ، غير أن الدعوى اخبار عن حق لنفسه على الغير والإقرار للغير على نفسه ، والشهادة للغير على الغير.
(٢) نسبه اليه ابن إدريس في السرائر ، ولكن تردد صاحب الجواهر وغيره في صحة النسبة ، قالوا لان عبارته في الانتصار غير ظاهرة في ذلك ، ونقل عنه في الموصليات انه ادعى الإجماع على عدم القبول وعبارته في الانتصار كذلك :
« ومما انفردت به الإمامية القول بجواز شهادة ذوي الأرحام والقرابات بعضهم لبعض إذا كانوا عدولا من غير استثناء لأحد ، إلا ما يذهب اليه بعض أصحابنا معتمدا على خبر يروونه من أنه لا يجوز شهادة الولد على الوالد ، وان جازت شهادته له ».
قلت عبارته كما سمعتها وان لم تكن صريحة الا أنها ظاهرة فيما نسبه ابن إدريس وغيره اليه ثم انها تشعر بكونه مختار عدة من الأصحاب أيضا فتوهن الإجماعات المنقولة على عدم القبول.