في العصبتين المقدم ذكرهما. لا قوته فقط بل نفس جوهره ومقداره ، ليفي بما يحتاج اليه في فعل البصر والا لما كانت الحاجة الى تجويفهما ولذلك يتسع ثقب العنبي كما بينا ، وليس الا لمزاحمة الروح نفسه وضغطه اياه. فاذا خرجت تلك الخطوط خالطت الهواء الصافي فادركت العين اللون المخالف للهواء ، فتدرك ذلك اللون ، والدليل على ذلك ان نقول الابصار لا يخلو : اما ان يكون بارسال شيء الينا من المرئي فيدلنا على نفسه حتى ندرك ماهيته. واما ان يذهب منا شيء ندركه ، او يكون شيء اخر غير قوتنا وما يخرج من أعيننا ، وغير المرئي يعرفنا ذلك فندركه (١٢٨). لا جائز ان يكون بخروج شيء من المرئي أو شبح او كيفية كما ذهب اليه قوم دون اخرين وينطبع في الجليدية فانه لو كان كذلك لكان ينبغي ان يرى (١٢٩) من غير ان يعلم مقداره في العظم من حيث ان جبلا من أعظم الجبال او جسما من أعظم
_________________
١٢٨) النظريات الثلاث التي جاءت هنا غير واضحة التعبير. وقد جاء في المقالات العشر ص ١٠٣ : ان جسم المبصر لا يخلو من ان يكون انما يبصر من احد هذه الثلاثة الوجوه :
احدها : ان يكون هو يرسل شيئا منه الينا فيدلنا به على نفسه حتى نعرفه ما هو.
والثاني : ان يكون هو لا يرسل شيئا منه لكنه ثابت في موضعه على ما لم يزل وتذهب منا اليه قوة الحس فنعرفه بها ما هو والثالث : ان يكون هاهنا شيء اخر عندنا وعنده واسطته فيما بيننا وبينه هو الذي يأتينا بمعرفته حتى نعلم ما هو.
وجاء في المقالات في نفس الصفحة : ان جميع الناس قد أقروا وأجمعوا على ان انما نبصر بالثقب الذي في الحدقة. فلو كان هذا الثقب ينتظر أن يصل اليه من الشيء المبصر شيء يذوب أو قوة تخرج منه أو صورة أو شبح أو كيفية.
وقد أراد مؤلفنا أن يعبر نفس التعبير. أو هذا ما قصده بقوله (واما أن يذهب منا شىء ندركه أو يكون شىء غير قوتنا وما يخرج من أعيننا وغير المرئي يعرفنا ذلك فندركه
١٢٩) في الاصل : لو كان لذلك لكان بنعى ان يهى