نزوله في آخر الزمان من السماء ، استنادا إلى الرواية كما سمعت.
هذا ما ذكروه ، والذي ينبغي التدبر والإمعان فيه هو أن وقوع قوله « وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً » في سياق قوله « وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً » ظاهر في أن عيسى شهيد على جميعهم يوم القيامة كما أن جميعهم يؤمنون به قبل الموت ، وقد حكى سبحانه قول عيسى في خصوص هذه الشهادة على وجه خاص ، فقال عنه : « وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ » : ( المائدة : ١١٧ ).
فقصر عليهالسلام شهادته في أيام حياته فيهم قبل توفيه ، وهذه الآية أعني قوله : « وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ » (إلخ) تدل على شهادته على جميع من يؤمن به فلو كان المؤمن به هو الجميع كان لازمه أن لا يتوفى إلا بعد الجميع ، وهذا ينتج المعنى الثاني ، وهو كونه عليهالسلام حيا بعد ، ويعود إليهم ثانيا حتى يؤمنوا به. نهاية الأمر أن يقال : إن من لا يدرك منهم رجوعه إليهم ثانيا يؤمن به عند موته ، ومن أدرك ذلك آمن به إيمانا اضطرارا أو اختيارا.
على أن الأنسب بوقوع هذه الآية : « وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ » فيما وقع فيه من السياق أعني بعد قوله تعالى « وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ـ إلى أن قال ـ بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً » أن تكون الآية في مقام بيان أنه لم يمت وأنه حي بعد إذ لا يتعلق ببيان إيمانهم الاضطراري وشهادته عليهم في غير هذه الصورة غرض ظاهر.
فهذا الذي ذكرناه يؤيد كون المراد بإيمانهم به قبل الموت إيمانهم جميعا به قبل موته عليهالسلام.
لكن هاهنا آيات أخر لا تخلو من إشعار بخلاف ذلك كقوله تعالى : « إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ » : ( آل عمران : ٥٥ ) حيث يدل على أن من الكافرين بعيسى من هو باق إلى يوم القيامة ، وكقوله تعالى : « وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً » حيث إن ظاهره أنه نقمة مكتوبة عليهم ، فلا يؤمن