عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ » فقد استوجبوا بمظالمهم من الله جزاءين : جزاء دنيوي عام وهو تحريم الطيبات ، وجزاء أخروي خاص بالكافرين منهم وهو العذاب الأليم.
قوله تعالى : « لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ » استثناء واستدراك من أهل الكتاب ، و « الرَّاسِخُونَ » وما عطف عليه مبتدأ و « يُؤْمِنُونَ » خبره ، وقوله « مِنْهُمْ » متعلق بالراسخون و « مِنْ » فيه تبعيضية.
والظاهر أن « الْمُؤْمِنُونَ » يشارك « الرَّاسِخُونَ » في تعلق قوله « مِنْهُمْ » به معنى والمعنى : لكن الراسخون في العلم والمؤمنون بالحقيقة من أهل الكتاب يؤمنون بك وبما أنزل من قبلك ، ويؤيده التعليل الآتي في قوله « إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ » (إلخ) ، فإن ظاهر الآية كما سيأتي بيان أنهم آمنوا بك لما وجدوا أن نبوتك والوحي الذي أكرمناك به يماثل الوحي الذي جاءهم به الماضون السابقون من أنبياء الله : نوح والنبيون من بعده ، والأنبياء من آل إبراهيم ، وآل يعقوب ، وآخرون ممن لم نقصصهم عليك من غير فرق.
وهذا المعنى ـ كما ترى ـ أنسب بالمؤمنين من أهل الكتاب أن يوصفوا به دون المؤمنين من العرب الذين وصفهم الله سبحانه بقوله « لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ » : ( يس : ٦ ).
وقوله « وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ » معطوف على « الرَّاسِخُونَ » ومنصوب على المدح ، ومثله في العطف قوله « وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ » وقوله « وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ » مبتدأ خبره قوله « أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً » ولو كان قوله « وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ » مرفوعا كما نقل عن مصحف ابن مسعود كان هو وما عطف عليه مبتدأ خبره قوله « أُولئِكَ ».
قال في المجمع : اختلف في نصب المقيمين فذهب سيبويه والبصريون إلى أنه نصب على المدح على تقدير أعني المقيمين الصلاة ، قالوا : إذا قلت ، مررت بزيد الكريم وأنت تريد أن تعرف زيدا الكريم من زيد غير الكريم فالوجه الجر ، وإذا أردت المدح والثناء فإن شئت نصبت وقلت : مررت بزيد الكريم كأنك قلت : أذكر الكريم ، وإن شئت رفعت فقلت : الكريم ، على تقدير هو الكريم.
وقال الكسائي ، موضع المقيمين جر ، وهو معطوف « على » ما من قوله « بِما أُنْزِلَ