أنزل إليك وما أنزل من قبلك لما وجدوا أن الذي نزل إليك من الوحي يماثل ما نزل من قبلك على سائر النبيين : نوح ومن بعده.
ومن هنا يظهر ( أولا ) وجه توصيف من اتبع النبي صلىاللهعليهوآله من أهل الكتاب بالراسخين في العلم والمؤمنين ، فإن الآيات السابقة تقص عنهم أنهم غير راسخين فيما علموا غير مستقرين على شيء من الحق وإن استوثق منهم بأغلظ المواثيق ، وأنهم غير مؤمنين بآيات الله صادون عنها وإن جاءتهم البينات ، فهؤلاء الذين استثناهم الله راسخون في العلم أو مؤمنون حقيقة.
و ( ثانيا ) وجه ذكر ما أنزل قبلا مع القرآن في قوله « يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ) لأن المقام مقام نفي الفرق بين القبيلين.
و ( ثالثا ) أن قوله في الآية التالية : « إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا » (إلخ) في مقام التعليل لإيمان هؤلاء المستثنين.
قوله تعالى : « إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ » في مقام التعليل لقوله « يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ » كما عرفت آنفا. ومحصل المعنى ـ والله أعلم ـ أنهم آمنوا بما أنزل إليك لأنا لم نؤتك أمرا مبتدعا يختص من الدعاوي والجهات بما لا يوجد عند غيرك من الأنبياء السابقين ، بل الأمر على نهج واحد لا اختلاف فيه ، فإنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ، ونوح أول نبي جاء بكتاب وشريعة ، وكما أوحينا إلى إبراهيم ومن بعده من آله ، وهم يعرفونهم ويعرفون كيفية بعثتهم ودعوتهم ، فمنهم من أوتي بكتاب كداود أوتي زبورا وهو وحي نبوي ، وموسى أوتي التكليم وهو وحي نبوي ، وغيرهما كإسماعيل وإسحاق ويعقوب أرسلوا بغير كتاب ، وذلك أيضا عن وحي نبوي.
ويجمع الجميع أنهم رسل مبشرون بثواب الله منذرون بعذابه ، أرسلهم الله لإتمام الحجة على الناس ببيان ما ينفعهم وما يضرهم في أخراهم ودنياهم لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
قوله تعالى : « وَالْأَسْباطِ » تقدم في قوله تعالى : « وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ » : ( آل عمران : ٨٤ ) أنهم أنبياء من ذرية يعقوب أو من أسباط بني إسرائيل.