كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ـ ٣. )
( بيان )
الغرض الجامع في السورة على ما يعطيه التدبر في مفتتحها ومختتمها ، وعامة الآيات الواقعة فيها ، والأحكام والمواعظ والقصص التي تضمنتها هو الدعوة إلى الوفاء بالعهود وحفظ المواثيق الحقة كائنة ما كانت ، والتحذير البالغ عن نقضها وعدم الاعتناء بأمرها ، وأن عادته تعالى جرت بالرحمة والتسهيل والتخفيف على من اتقى وآمن ثم اتقى وأحسن والتشديد على من بغى واعتدى وطغا بالخروج عن ربقة العهد بالطاعة ، وتعدى حدود المواثيق المأخوذة عليه في الدين.
ولذلك ترى السورة تشتمل على كثير من أحكام الحدود والقصاص ، وعلى مثل قصة المائدة ، وسؤال المسيح ، وقصة ابني آدم ، وعلى الإشارة إلى كثير من مظالم بني إسرائيل ونقضهم المواثيق المأخوذة منهم ، وعلى كثير من الآيات التي يمتن الله تعالى فيها على الناس بأمور كإكمال الدين ، وإتمام النعمة ، وإحلال الطيبات ، وتشريع ما يطهر الناس من غير أن يريد بهم الحرج والعسر.
وهذا هو المناسب لزمان نزول السورة إذ لم يختلف أهل النقل أنها آخر سورة مفصلة نزلت على رسول الله صلىاللهعليهوآله في أواخر أيام حياته وقد ورد في روايات الفريقين : أنها ناسخة غير منسوخة ، والمناسب لذلك تأكيد الوصية بحفظ المواثيق المأخوذة لله تعالى على عباده وللتثبت فيها.
قوله تعالى. « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ » العقود جمع عقد وهو شد أحد شيئين بالآخر نوع شد يصعب معه انفصال أحدهما عن الآخر ، كعقد الحبل والخيط بآخر من مثله ، ولازمه التزام أحدهما الآخر ، وعدم انفكاكه عنه ، وقد كان معتبرا عندهم في