يُوفِضُونَ » ، قال : « وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ » وقد يقال في جمعه : أنصاب قال « وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ ». والنصب والنصب : التعب.
فالمراد من النهي عن أكل لحوم ما ذبح على النصب أن يستن بسنن الجاهلية في ذلك فإنهم كانوا نصبوا حول الكعبة أحجارا يقدسونها ويذبحون عليها ، وكان من سنن الوثنية.
قوله تعالى : « وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ » والأزلام هي القداح ، والاستقسام بالقداح أن يؤخذ جزور ـ أو بهيمة أخرى ـ على سهام ثم يضرب بالقداح في تشخيص من له سهم ممن لا سهم له ، وفي تشخيص نفس السهام المختلفة وهو الميسر ، وقد مر شرحه عند قوله تعالى : « يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ » الآية : ( البقرة : ٢١٩ ) في الجزء الثاني من هذا الكتاب.
قال الراغب : القسم إفراز النصيب يقال : قسمت كذا قسما وقسمة ، وقسمة الميراث وقسمة الغنيمة تفريقهما على أربابهما ، قال : « لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ » « وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ » واستقسمته سألته أن يقسم ، ثم قد يستعمل في معنى قسم قال : « وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ » ، وما ذكره من كون استقسم بمعنى قسم إنما هو بحسب الانطباق مصداقا ، والمعنى بالحقيقة طلب القسمة بالأزلام التي هي آلات هذا الفعل ، فاستعمال الآلة طلب لحصول الفعل المترتب عليها فيصدق الاستفعال. فالمراد بالاستقسام بالأزلام المنهي عنه على ظاهر السياق هو ضرب القداح على الجزور ونحوه للذهاب بما في لحمه من النصيب.
وأما ما ذكره بعضهم أن المراد بالاستقسام بالأزلام الضرب بالقداح لاستعلام الخير والشر في الأفعال ، وتمييز النافع منها من الضار كمن يريد سفرا أو ازدواجا أو شروعا في عمل أو غير ذلك فيضرب بالقداح لتشخيص ما فيه الخير منها مما لا خير فيه قالوا : وكان ذلك دائرا بين عرب الجاهلية ، وذلك نوع من الطيرة ، وسيأتي زيادة شرح له في البحث الروائي التالي ـ ففيه : أن سياق الآية يأبى عن حمل اللفظ على الاستقسام بهذا المعنى ، وذلك أن الآية ـ وهي مقام عد محرمات الأطعمة ، وقد أشير إليها قبلا في قوله : « إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ » ـ تعد من محرماتها عشرا ، وهي الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع وما ذبح على النصب ، ثم تذكر الاستقسام بالأزلام الذي من معناه قسمة اللحم بالمقامرة ، ومن معناه استعلام الخير والشر في الأمور ، فكيف يشك بعد ذلك السياق الواضح والقرائن المتوالية