وأما قوله تعالى : « وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ » فهو معطوف على صدر الآية أي ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات يحذرونهم القتل وكل ما يلحق به من وجوه الفساد في الأرض.
وأما قوله تعالى : « ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ » فهو متمم للكلام ، بانضمامه إليه يستنتج الغرض المطلوب من البيان ، وهو ظهور أنهم قوم مفسدون مصرون على استكبارهم وعتوهم فلقد بينا لهم منزلة القتل وجاءتهم رسلنا فيها وفي غيرها بالبينات ، وبينوا لهم وحذروهم وهم مع ذلك لم ينتهوا عن إصرارهم على العتو والاستكبار فأسرفوا في الأرض قديما ولا يزالون يسرفون.
والإسراف الخروج عن القصد وتجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان ، وإن كان يغلب عليه الاستعمال في مورد الإنفاق كقوله تعالى : « وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً » : ( الفرقان : ٦٧ ) على ما ذكره الراغب في المفردات.
( بحث روائي )
في تفسير العياشي ، عن هشام بن سالم ، عن حبيب السجستاني ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : لما قرب ابنا آدم القربان ـ فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر ـ قال : تقبل من هابيل ولم يتقبل من قابيل ـ دخله من ذلك حسد شديد ، وبغى على هابيل ، ولم يزل يرصده ويتبع خلوته حتى ظفر به ـ متنحيا من آدم فوثب عليه وقتله ، فكان من قصتهما ما قد أنبأ الله في كتابه ـ مما كان بينهما من المحاورة قبل أن يقتله ، الحديث.
أقول : والرواية من أحسن الروايات الواردة في القصة وهي رواية طويلة يذكر عليهالسلام فيها : تولد هبة الله ( شيث ) لآدم بعد ذلك ووصيته له وجريان أمر الوصية بين الأنبياء ، وسننقلها إن شاء الله في موضع يناسبها ، وظاهرها أن قابيل إنما قتل هابيل غيلة من غير أن يمكنه من نفسه ، كما هو المناسب للاعتبار ، وقد تقدم في البيان المتقدم.
واعلم : أن الذي ضبطته الروايات من اسم الابنين : هابيل وقابيل ، والذي في التوراة الدائرة : هابيل وقايين. ولا حجة في ذلك لانتهاء سند التوراة إلى واحد مجهول الحال مع ما هي عليه من التحريف الظاهر.
وفي تفسير القمي ، قال : حدثنا أبي عن الحسن بن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن