بمثل قوله : « الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ » في غالب الموارد عن إشعار ما بذلك ، وذلك أن المنافقين هم الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ، والكفر الخاص موت للقلب لا مرض فيه قال تعالى : « أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ » : ( الأنعام : ١٢٢ ) وقال : « إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ » ( الأنعام : ٣٦ ).
فالظاهر أن مرض القلب في عرف القرآن هو الشك والريب المستولي على إدراك الإنسان فيما يتعلق بالله وآياته ، وعدم تمكن القلب من العقد على عقيدة دينية.
فالذين في قلوبهم مرض بحسب طبع المعنى هم ضعفاء الإيمان ، الذين يصغون إلى كل ناعق ، ويميلون مع كل ريح ، دون المنافقين الذين أظهروا الإيمان واستبطنوا الكفر رعاية لمصالحهم الدنيوية ليستدروا المؤمنين بظاهر إيمانهم والكفار بباطن كفرهم.
نعم ربما أطلق عليهم المنافقون في القرآن تحليلا لكونهم يشاركونهم في عدم اشتمال باطنهم على لطيفة الإيمان ، وهذا غير إطلاق الذين في قلوبهم مرض على من هو كافر لم يؤمن إلا ظاهرا قال تعالى : « بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً » : ( النساء : ١٤٠ ).
وأما قوله تعالى في سورة البقرة : « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ـ إلى أن قال ـ : فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً ـ إلى أن قال ـ وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ » : الآيات ( البقرة : ٧ ـ ٢٠ ) فإنما هو بيان لسلوك قلوبهم من الشك في الحق إلى إنكاره ، وأنهم كانوا في بادئ حالهم مرضى بسبب كذبهم في الإخبار عن إيمانهم وكانوا مرتابين لم يؤمنوا بعد ، فزادهم الله مرضا حتى هلكوا بإنكارهم الحق واستهزائهم له.
وقد ذكر الله سبحانه أن مرض القلب على حد الأمراض الجسمانية ربما أخذ في الزيادة حتى أزمن وانجر الأمر إلى الهلاك وذلك بإمداده بما يضر طبع المريض في مرضه ، وليس إلا المعصية قال تعالى : « فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً » ( البقرة : ١٠ ) وقال تعالى «وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ ـ إلى أن قال ـ : وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى