وقد أغلظ الله سبحانه وتعالى في وعيد قاتل المؤمن متعمدا بالنار الخالدة غير أنك عرفت في الكلام على قوله تعالى « إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ » : ( النساء : ٤٨ ) أن تلك الآية ، وكذا قوله تعالى « إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً » : ( الزمر : ٥٣ ) تصلحان لتقييد هذه الآية فهذه الآية توعد بالنار الخالدة لكنها ليست بصريحة في الحتم فيمكن العفو بتوبة أو شفاعة.
قوله تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا » الضرب هو السير في الأرض والمسافرة ، وتقييده بسبيل الله يدل على أن المراد به هو الخروج للجهاد ، والتبين هو التمييز والمراد به التمييز بين المؤمن والكافر بقرينة قوله « وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً » والمراد بإلقاء السلام إلقاء التحية تحية أهل الإيمان ، وقرئ : « لمن ألقى إليكم السلم » بفتح اللام وهو الاستسلام.
والمراد بابتغاء عرض الحياة الدنيا طلب المال والغنيمة ، وقوله « فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ » جمع مغنم وهو الغنيمة أي ما عند الله من المغانم أفضل من مغنم الدنيا الذي يريدونه لكثرتها وبقائها فهي التي يجب عليكم أن تؤثروها.
قوله تعالى : « كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا » (إلخ) أي على هذا الوصف. وهو ابتغاء عرض الحياة الدنيا ـ كنتم من قبل أن تؤمنوا فمن الله عليكم بالإيمان الصارف لكم عن ابتغاء عرض الحياة الدنيا إلى ما عند الله من المغانم الكثيرة فإذا كان كذلك فيجب عليكم أن تبينوا ، وفي تكرار الأمر بالتبين تأكيد في الحكم.
والآية مع اشتمالها على العظة ونوع من التوبيخ لا تصرح بكون هذا القتل الذي ظاهرها وقوعه قتل مؤمن متعمدا ، فالظاهر أنه كان قتل خطأ من بعض المؤمنين لبعض من ألقى السلم من المشركين لعدم وثوق القاتل بكونه مؤمنا حقيقة بزعم أنه إنما يظهر الإيمان خوفا على نفسه ، والآية توبخه بأن الإسلام إنما يعتبر بالظاهر ، ويحل أمر القلوب إلى اللطيف الخبير.
وعلى هذا فقوله « تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا » موضوع في الكلام على اقتضاء الحال ، أي حالكم في قتل من يظهر لكم الإيمان من غير اعتناء بأمره وتبين في شأنه حال من يريد المال والغنيمة فيقتل المؤمن المتظاهر بالإيمان بأدنى ما يعتذر به من غير أن يكون من