( بيان )
الآيات تشرع صلاة الخوف والقصر في السفر ، وتنتهي إلى ترغيب المؤمنين في تعقيب المشركين وابتغائهم ، وهي مرتبطة بالآيات السابقة المتعرضة للجهاد وما لها من مختلف الشئون.
قوله تعالى : « وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ » الجناح الإثم والحرج والعدول ، والقصر النقص من الصلاة ، قال في المجمع : في قصر الصلاة ثلاث لغات : قصرت الصلاة أقصرها وهي لغة القرآن ، وقصرتها تقصيرا ، أقصرتها إقصارا.
والمعنى : إذا سافرتم فلا مانع من حرج وإثم أن تنقصوا شيئا من الصلاة ، ونفي الجناح الظاهر وحده في الجواز لا ينافي وروده في السياق للوجوب كما في قوله تعالى « إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما » : ( البقرة : ١٥٨ ) مع كون الطواف واجبا ، وذلك أن المقام مقام التشريع ، ويكفي فيه مجرد الكشف عن جعل الحكم من غير حاجة إلى استيفاء جميع جهات الحكم وخصوصياته ، ونظير الآية بوجه قوله تعالى « وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ » الآية : ( البقرة : ١٨٤ ).
قوله تعالى : « إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا » ، الفتنة وإن كانت ذات معان كثيرة مختلفة لكن المعهود من إطلاقها في القرآن في خصوص الكفار والمشركين التعذيب من قتل أو ضرب ونحوهما ، وقرائن الكلام أيضا تؤيد ذلك فالمعنى : إن خفتم أن يعذبوكم بالحملة والقتل.
والجملة قيد لقوله « فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ » ، جُناحٌ وتفيد أن بدء تشريع القصر في الصلاة إنما كان عند خوف الفتنة ، ولا ينافي ذلك أن يعم التشريع ثانيا جميع صور السفر الشرعي وإن لم يجامع الخوف فإنما الكتاب بين قسما منه ، والسنة بينت شموله لجميع الصور كما سيأتي في الروايات.
قوله تعالى : « وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ ـ إلى قوله ـ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ »