من خان في أمر ثم نازع في أمر آخر وهو محق في نزاعه ، فالدفاع عنه دفاع غير محظور ولا ممنوع منه ، ولا ينهى عنه قوله « وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً » (الآية).
قوله تعالى : « يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ » ، وهذا أيضا من الشواهد على ما قدمناه من أن الآيات ( ١٠٥ ١٢٦ ) جميعا ذات سياق واحد ، نازلة في قصة واحدة ، وهي التي يشير إليها قوله « وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً » (الآية) ، وذلك أن الاستخفاء إنما يناسب الأعمال التي يمكن أن يرمى بها الغير كالسرقة وأمثال ذلك فيتأيد به أن الذي تشير إليه هذه الآية وما تقدمها من الآيات هو الذي يشير إليه قوله « وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ » (الآية).
والاستخفاء من الله أمر غير مقدور إذ لا يخفى على الله شيء في الأرض ولا في السماء فطرفه المقابل له أعني عدم الاستخفاء أيضا أمر اضطراري غير مقدور ، وإذا كان غير مقدور لم يتعلق به لوم ولا تعيير كما هو ظاهر الآية. لكن الظاهر أن الاستخفاء كناية عن الاستحياء ولذلك قيد قوله « وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ » ( أولا ) بقوله « وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ » فدل على أنهم كانوا يدبرون الحيلة ليلا للتبري من هذه الخيانة المذمومة ، ويبيتون في ذلك قولا لا يرضى به الله سبحانه ثم قيده ( ثانيا ) بقوله « وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً » ودل على إحاطته تعالى بهم في جميع الأحوال ومنها حال الجرم الذي أجرموه ، والتقييد بهذين القيدين أعني قوله « وَهُوَ مَعَهُمْ » ، وقوله « وَكانَ اللهُ » ، تقييد بالعام بعد الخاص ، وهو في الحقيقة تعليل لعدم استخفائهم من الله بعلة خاصة ثم بأخرى عامة.
قوله تعالى : « ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا » (الآية) بيان لعدم الجدوى في الجدال عنهم ، وأنهم لا ينتفعون بذلك في صورة الاستفهام والمراد أن الجدال عنهم لو نفعهم فإنما ينفعهم في الحياة الدنيا ، ولا قدر لها عند الله ، وأما الحياة الأخروية التي لها عظيم القدر عند الله أو ظرف الدفاع فيها يوم القيامة فلا مدافع هناك عن الخائنين ولا مجادل عنهم بل لا وكيل لهم يومئذ يتكفل تدبير أمورهم وإصلاح شئونهم.
قوله تعالى. « وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ » (الآية) فيه ترغيب وحث لأولئك الخائنين أن يرجعوا إلى ربهم بالاستغفار ، والظاهر أن الترديد بين السوء وظلم النفس