وسوف يثيبه الله سبحانه بعظيم الأجر ، و ( ثانيهما ) أن يفعل ذلك لمشاقة الرسول واتخاذ طريق غير طريق المؤمنين وسبيلهم ، وجزاؤه الإملاء والاستدراج الإلهي ثم إصلاء جهنم وساءت مصيرا.
قوله تعالى : « وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ » ، المشاقة من الشق وهو القطعة المبانة من الشيء فالمشاقة والشقاق كونك في شق غير شق صاحبك ، وهو كناية عن المخالفة ، فالمراد بمشاقة الرسول بعد تبين الهدى مخالفته وعدم إطاعته ، وعلى هذا فقوله « وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ » بيان آخر لمشاقة الرسول ، والمراد بسبيل المؤمنين إطاعة الرسول فإن طاعته طاعة الله قال تعالى : « مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ » ( النساء : ٨٠ ).
فسبيل المؤمنين بما هم مجتمعون على الإيمان هو الاجتماع على طاعة الله ورسوله ـ وإن شئت فقل على طاعة رسوله ـ فإن ذلك هو الحافظ لوحدة سبيلهم كما قال تعالى : « وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا » : ( آل عمران : ١٠٣ ) وقد تقدم الكلام في الآية في الجزء الثالث من هذا الكتاب ، وقال تعالى : « وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ » ( الأنعام : ١٥٣ ) وإذا كان سبيله سبيل التقوى ، والمؤمنون هم المدعوون إليه فسبيلهم مجتمعين سبيل التعاون على التقوى كما قال تعالى : « وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ » : ( المائدة : ٢ ) والآية ـ كما ترى ـ تنهى عن معصية الله وشق عصا الاجتماع الإسلامي ، وهو ما ذكرناه من معنى سبيل المؤمنين.
فمعنى الآية أعني قوله « وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ » ، يعود إلى معنى قوله « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى » : (الآية) ( المجادلة : ٩ ).
وقوله « نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى » ، أي نجره على ما جرى عليه ، ونساعده على ما تلبس به من اتباع غير سبيل المؤمنين كما قال تعالى : « كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما