عز اسمه ، وهذا الوجه أولى مما قيل : إن المراد هو اللات والعزى ومنات الثالثة ونحوها ، وقد كان لكل حي صنم يسمونه أنثى بني فلان إما لتأنيث أسمائها أو لأنها كانت جمادات والجمادات تؤنث في اللفظ.
ووجه الأولوية أن ذلك لا يلائم الحصر الواقع في قوله « إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً » كثير ملاءمة ، وبين من يدعى من دون الله من هو ذكر غير أنثى كعيسى المسيح وبرهما وبوذا.
قوله تعالى : « وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً » المريد هو العاري من كل خير أو مطلق العاري ، قال البيضاوي : المارد والمريد الذي لا يعلق بخير ، وأصل التركيب للملامسة ، ومنه صرح ممرد ، وغلام أمرد ، وشجرة مرداء للتي تناثر ورقها ( انتهى ).
والظاهر أن الجملة بيان للجملة السابقة فإن الدعوة كناية عن العبادة لكون العبادة إنما نشأت بين الناس للدعوة على الحاجة ، وقد سمى الله تعالى الطاعة عبادة قال تعالى : « أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي » : ( يس : ٦١ ) فيئول معنى الجملة إلى أن عبادتهم لكل معبود من دون الله عبادة ودعوة منهم للشيطان المريد لكونها طاعة له.
قوله تعالى : « لَعَنَهُ اللهُ » اللعن هو الإبعاد عن الرحمة ، وهو وصف ثان للشيطان وبمنزلة التعليل للوصف الأول.
قوله تعالى : « وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً » كأنه إشارة إلى ما حكاه الله تعالى عنه من قوله « فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ » : ( ـ ص : ٨٣ ) وفي قوله « مِنْ عِبادِكَ » تقرير أنهم مع ذلك عباده لا ينسلخون عن هذا الشأن ، وهو ربهم يحكم فيهم بما شاء.
قوله تعالى : « وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ » ( إلى آخر ) الآية التبتيل هو الشق ، وينطبق على ما نقل : أن عرب الجاهلية كانت تشق آذان البحائر والسوائب لتحريم لحومها.
وهذه الأمور المعدودة جميعها ضلال فذكر الإضلال معها من قبيل ذكر العام ثم ذكر بعض أفراده لعناية خاصة به ، يقول : لأضلنهم بالاشتغال بعبادة غير الله واقتراف المعاصي ، ولأغرنهم بالاشتغال بالآمال والأماني التي تصرفهم عن الاشتغال بواجب شأنهم