قوله تعالى : « وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ » أي واذكروا إذ يعدكم الله ، وهو بيان منن الله وعد نعمه عليهم ليكونوا على بصيرة من أن الله سبحانه لا يستقبلهم بأمر ولا يأتيهم بحكم إلا بالحق وفيه حفظ مصالحهم وإسعاد جدهم فلا يختلفوا فيما بينهم ، ولا يكرهوا ما يختاره لهم ، ويكلوا أمرهم إليه فيطيعوه ورسوله.
والمراد بالطائفتين العير والنفير ، والعير قافلة قريش وفيها تجارتهم وأموالهم وكان عليها أربعون رجلا منهم أبو سفيان بن حرب ، والنفير جيش قريش وهم زهاء ألف رجل.
وقوله : « إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ » مفعول ثان لقوله : « يَعِدُكُمُ » وقوله : « أَنَّها لَكُمْ » بدل منه وقوله « وَتَوَدُّونَ » الآية في موضع الحال ، والمراد بغير ذات الشوكة : الطائفة غير ذات الشوكة وهي العير الذي كان أقل عدة وعدة من النفير ، والشوكة الحدة ، استعارة من الشوك.
وقوله : « وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ » في موضع الحال ، والمراد بإحقاق الحق إظهاره وإثباته بترتيب آثاره عليه ، وكلمات الله هي ما قضى به من نصرة أنبيائه وإظهار دينه الحق ، قال تعالى : « وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ » : الصافات : ١٧٣ وقال تعالى : « يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ » : الصف : ٩ وقرئ : « بكلمته » : وهو أوجه وأقرب والدابر ما يأتي بعد الشيء مما يتعلق به ويتصل إليه وقطع دابر الشيء ، كناية عن إفنائه واستئصاله بحيث لا يبقى بعده شيء من آثاره المتفرعة عليه المرتبطة به.
ومعنى الآية : واذكروا إذ يعدكم الله أن إحدى الطائفتين لكم تستعلون عليها بنصر الله إما العير وإما النفير وأنتم تودون أن تكون تلك الطائفة هي العير لما تعلمون من شوكة النفير ، وقوتهم وشدتهم ، مع ما لكم من الضعف والهوان ، والحال