أن الله يريد خلاف ذلك وهو أن تلاقوا النفير فيظهركم عليهم ويظهر ما قضى ظهوره من الحق ، ويستأصل الكافرين ويقطع دابرهم.
قوله تعالى : « لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ » ظاهر السياق أن اللام للغاية ، وقوله : « لِيُحِقَ » الآية متعلق بقوله : « يَعِدُكُمُ اللهُ » أي إنما وعدكم الله ذلك وهو لا يخلف الميعاد ليحق بذلك الحق ويبطل الباطل ولو كان المجرمون يكرهونه ولا يريدونه.
وبذلك يظهر أن قوله : « لِيُحِقَّ الْحَقَ » الآية ليس تكرارا لقوله : « وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ » وإن كان في معناه.
قوله تعالى : « إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ » الاستغاثة طلب الغوث وهو النصرة كما في قوله : « فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ » القصص : ١٥ والإمداد معروف ، وقوله : « مُرْدِفِينَ » من الإرداف وهو أن يجعل الراكب غيره ردفا له ، والردف التابع ، قال الراغب : الردف التابع ، وردف المرأة عجيزتها ، والترادف : التتابع ، والرادف : المتأخر ، والمردف المقدم الذي أردف غيره. انتهى.
وبهذا المعنى تلائم الآية ما في قوله تعالى فيما يشير به إلى هذه القصة في سورة آل عمران : « وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ » : آل عمران : ١٢٦.
فإن تطبيق الآيات من السورتين يوضح أن المراد بنزول ألف من الملائكة مردفين نزول ألف منهم يستتبعون آخرين فينطبق الألف المردفون على الثلاثة آلاف المنزلين.
وبذلك يظهر فساد ما قيل : إن المراد بكون الملائكة مردفين كون الألف متبعين ألفا آخر لأن مع كل واحد منهم ردفا له فيكونون ألفين ، وكذا ما قيل :