إن المراد كون بعضهم أثر بعض ، وكذا ما قيل : إن المراد مجيئهم على أثر المسلمين بأن يكون مردفين بمعنى رادفين ، وكذا ما قيل : إن المراد إردافهم المسلمين بأن يتقدموا عسكر المسلمين فيلقوا في قلوب الذين كفروا الرعب.
قوله تعالى : « وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ » الضميران في قوله : « جَعَلَهُ » وقوله : « بِهِ » للإمداد بالملائكة على ما يدل عليه السياق ، والمعنى أن الإمداد بالملائكة إنما كان لغرض البشرى واطمئنان نفوسكم لا ليهلك بأيديهم الكفار كما يشير إليه قوله تعالى بعد : « إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ ».
وبذلك يتأيد ما ذكره بعضهم : أن الملائكة لم ينزلوا ليقتلوا المشركين ولا قتلوا منهم أحدا فقد قتل ثلث المقتولين منهم أو النصف علي عليهالسلام والثلثين الباقين أو النصف سائر المسلمين. وإنما كان للملائكة تكثير سواد المسلمين حينما اختلطوا بالقوم وتثبيت قلوب المسلمين ، وإلقاء الرعب في قلوب المشركين ، وسيجيء بعض الكلام في ذلك.
وقوله : « وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ » بيان انحصار حقيقة النصر فيه تعالى وأنه لو كان بكثرة العدد والقوة والشوكة كانت الدائرة يومئذ للمشركين بما لهم من الكثرة والقوة على المسلمين على ما بهم من القلة والضعف.
وقد علل بقوله : « إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ » جميع مضمون الآية وما يتعلق به من الآية السابقة فبعزته نصرهم وأمدهم ، وبحكمته جعل نصره على هذه الشاكلة.
قوله تعالى : « إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ » إلى آخر الآية. النعاس أول النوم وهو خفيفة والتغشية الإحاطة ، والأمنة الأمان ، وقوله : « أَمَنَةً » أي من الله وقيل : أي من العدو ، والرجز هو الرجس والقذارة ، والمراد برجز الشيطان القذارة التي يطرأ القلب من وسوسته وتسويله.
ومعنى الآية : أن النصر والإمداد بالبشرى واطمئنان القلوب كان في وقت يأخذكم النعاس للأمن الذي أفاضه الله على قلوبكم فنمتم ولو كنتم خائفين مرتاعين لم