يأخذكم نعاس ولا نوم ، وينزل عليكم المطر ليطهركم به ويذهب عنكم وسوسة الشيطان وليربط على قلوبكم ويشد عليها ـ وهو كناية عن التشجيع ـ وليثبت بالمطر أقدامكم في الحرب بتلبد الرمل أو بثبات القلوب.
والآية تؤيد ما ورد أن المسلمين سبقهم المشركون إلى الماء فنزلوا على كثيب رمل ، وأصبحوا محدثين ومجنبين ، وأصابهم الضمأ ، ووسوس إليهم الشيطان فقال : إن عدوكم قد سبقكم إلى الماء ، وأنتم تصلون مع الجنابة والحدث وتسوخ أقدامكم في الرمل فأمطر عليهم الله حتى اغتسلوا به من الجنابة ، وتطهروا به من الحدث ، وتلبدت به أرضهم ، وأوحلت أرض عدوهم.
قوله تعالى : « إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ » إلى آخر الآية حال الظرف في أول الآية كحال الظرف في قوله : « إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ » وقوله : « إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ » ومعنى الآية ظاهر.
وأما قوله : « فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ » فالظاهر أن يكون المراد بفوق الأعناق الرءوس وبكل بنان جميع الأطراف من اليدين والرجلين أو أصابع الأيدي لئلا يطيقوا حمل السلاح بها والقبض عليه.
ومن الجائز أن يكون الخطاب بقوله : « فَاضْرِبُوا » إلخ للملائكة كما هو المتسابق إلى الذهن ، والمراد بضرب فوق الأعناق وكل بنان ظاهر معناه ، أو الكناية عن إذلالهم وإبطال قوة الإمساك من أيديهم بالإرعاب ، وأن يكون الخطاب للمؤمنين والمراد به تشجيعهم على عدوهم بتثبيت أقدامهم والربط على قلوبهم ، وحثهم وإغراؤهم بالمشركين.
قوله تعالى : « ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ » المشاقة المخالفة وأصله الشق بمعنى البعض كأن المخالف يميل إلى شق غير شق من يخالفه ، والمعنى أن هذا العقاب للمشركين بما أوقع الله بهم ، لأنهم خالفوا الله ورسوله وألحوا وأصروا على ذلك ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب.
قوله تعالى : « ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ » خطاب تشديدي للكفار يشير إلى ما نزل بهم من الخزي ويأمرهم بأن يذوقوه ، ويذكر لهم أن وراء ذلك عذاب النار.