تولهه في محبة ربه ما هو أعجب.
قوله تعالى : « وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ » بلوغ الأشد أن يعمر الإنسان ما تشتد به قوى بدنه وتتقوى به أركانه بذهاب آثار الصباوة ، ويأخذ ذلك من ثمانية عشر من عمره إلى سن الكهولة التي عندها يكمل العقل ويتم الرشد.
والظاهر أن المراد به الانتهاء إلى أول سن الشباب دون التوسط فيه أو الانتهاء إلى آخره كالأربعين ، والدليل عليه قوله تعالى في موسى عليهالسلام : « وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً » : القصص : ١٤ حيث دل على التوسط فيه بقوله : « اسْتَوى » ، وقوله : « حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ » الآية : الأحقاف : ١٥ فلو كان بلوغ الأشد هو بلوغ الأربعين لم تكن حاجة إلى تكرار قوله : « بَلَغَ ».
فلا مجال لما ذكره بعضهم : أن المراد ببلوغ الأشد بلوغ الثلاثين أو الثلاث والثلاثين ، وكذا ما قاله آخرون إن المراد به بلوغ الأربعين وهو سن الأربعين. على أن من المضحك أن تصبر امرأة العزيز عن يوسف مدى عنفوان شبابه وريعان عمره حتى إذا بلغ الأربعين من عمره وأشرف على الشيخوخة تعلقت به وراودته عن نفسه.
وقوله : « آتَيْناهُ حُكْماً » الحكم هو القول الفصل وإزالة الشك والريب من الأمور القابلة للاختلاف ـ على ما يتحصل من اللغة ـ ولازمه إصابة النظر في عامة المعارف الإنسانية الراجعة إلى المبدإ والمعاد والأخلاق النفسانية والشرائع والآداب المرتبطة بالمجتمع البشري.
وبالنظر إلى قوله عليهالسلام لصاحبيه في السجن : « إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ » : الآية ٤٠ من السورة ، وقوله بعد : « قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ » : الآية ٤١ من السورة يعلم أن هذا الحكم الذي أوتيه كان هو حكم الله فكان حكمه حكم الله ، وهذا هو الذي سأله إبراهيم عليهالسلام من ربه إذ قال : « رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ » : الشعراء : ٨٣.
وقوله : « وَعِلْماً » وهذا العلم المذكور المنسوب إلى إيتائه تعالى كيفما كان وأي مقدار كان علم لا يخالطه جهل كما أن الحكم المذكور معه حكم لا يخالطه هوى نفساني ولا تسويل شيطاني كيف؟ والذي آتاهما هو الله سبحانه وقد قال تعالى : « وَاللهُ غالِبٌ