وهجرت الألفاظ معانيها إلى أضدادها تطلق الحرية والشرافة والعدالة والفضيلة ولا يراد بها إلا الرقية والخسة والظلم والرذيلة.
وبالجملة السنن والقوانين لا تأمن التخلف والضيعة إلا إذا تأسست على أخلاق كريمة إنسانية واستظهرت بها.
ثم الأخلاق لا تفي بإسعاد المجتمع ولا تسوق الإنسان إلى صلاح العمل إلا إذا اعتمدت على التوحيد وهو الإيمان بأن للعالم ـ ومنه الإنسان ـ إلها واحدا سرمديا لا يعزب عن علمه شيء ، ولا يغلب في قدرته عن أحد خلق الأشياء على أكمل نظام لا لحاجة منه إليها وسيعيدهم إليه فيحاسبهم فيجزي المحسن بإحسانه ويعاقب المسيء بإساءته ثم يخلدون منعمين أو معذبين.
ومن المعلوم أن الأخلاق إذا اعتمدت على هذه العقيدة لم يبق للإنسان هم إلا مراقبة رضاه تعالى في أعماله ، وكان التقوى رادعا داخليا له عن ارتكاب الجرم ولو لا ارتضاع الأخلاق من ثدي هذه العقيدة عقيدة التوحيد لم يبق للإنسان غاية في أعماله الحيوية إلا التمتع بمتاع الدنيا الفانية والتلذذ بلذائذ الحياة المادية ، وأقصى ما يمكنه أن يعدل به معاشه فيحفظ به القوانين الاجتماعية الحيوية أن يفكر في نفسه أن من الواجب عليه أن يلتزم القوانين الدائرة حفظا للمجتمع من التلاشي وللاجتماع من الفساد ، وإن من اللازم عليه أن يحرم نفسه من بعض مشتهياته ليحتفظ به المجتمع فينال بذلك البعض الباقي ، ويثني عليه الناس ويمدحوه ما دام حيا أو يكتب اسمه في أوراق التاريخ بخطوط ذهبية.
أما ثناء الناس وتقديرهم العمل فإنما يجري في أمور هامة علموا بها أما الجزئيات وما لم يعلموا بها كالأعمال السرية فلا وقاء يقيها وأما الذكر الجاري والاسم السامي ويؤثر غالبا فيما فيه تفدية وتضحية من الأمور كالقتل في سبيل الوطن وبذل المال والوقت في ترفيع مباني الدولة ونحو ذلك فليس ممن يبتغيه ويذعن به ثم لا يذعن بما وراء الحياة الدنيا إلا اعتقادا خرافيا إذ لا إنسان ـ على هذا ـ بعد الموت والفوت حتى يعود إليه شيء من النفع بثناء أو حسن ذكر وأي عاقل يشتري تمتع غيره بحرمان نفسه من غير أي فائدة عائدة أو يقدم الحياة لغيره باختيار الموت لنفسه وليس عنده بعد الموت إلا البطلان والاعتقاد الخرافي يزول بأدنى تنبه والتفات.