ما وراءها من الجمال المطلق والحسن الذي لا يتناهى العاري من كل شين ومكروه.
ولذلك كان هذا الإنسان محبورا بنعمة ربه بسرور لا غم معه ولذة وابتهاج لا ألم ولا حزن معه ، وأمن لا خوف معه ، فإن هذه العوارض السوء إنما تطرأ عن إدراك للسوء وترقب للشر والمكروه ، ومن كان لا يرى إلا الخير والجميل ولا يجد إلا ما يجري على وفق إرادته ورضاه فلا سبيل للغم والحزن والخوف وكل ما يسوء الإنسان ويؤذيه إليه بل ينال من السرور والابتهاج والأمن ما لا يقدره ولا يحيط به إلا الله سبحانه وهذا أمر ليس في وسع النفوس العادية أن تتعقله وتكتنهه إلا بنوع من التصور الناقص.
وإليه يشير أمثال قوله تعالى : « أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ » : يونس : ٦٣ ، وقوله : « الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ » : الأنعام : ٨٢.
وهؤلاء هم المقربون الفائزون بقربه تعالى إذ لا يحول بينهم وبين ربهم شيء مما يقع عليه الحس أو يتعلق به الوهم أو تهواه النفس أو يلبسه الشيطان فإن كل ما يتراءى لهم ليس إلا آية كاشفة عن الحق المتعال لا حجابا ساترا فيفيض عليهم ربهم علم اليقين ، ويكشف لهم عما عنده من الحقائق المستورة عن هذا الأعين المادية العمية بعد ما يرفع الستر فيما بينه وبينهم كما يشير إليه قوله تعالى : « كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ » : المطففين : ٢١ ، وقوله تعالى : « كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ » : التكاثر : ٦ وقد تقدم كلام في هذا المعنى في ذيل قوله تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ » : المائدة : ١٠٥ في الجزء السادس من الكتاب.
وبالجملة هؤلاء في الحقيقة هم المتوكلون على الله المفوضون إليه الراضون بقضائه المسلمون لأمره إذ لا يرون إلا خيرا ولا يشاهدون إلا جميلا فيستقر في نفوسهم من الملكات الشريفة والأخلاق الكريمة ما يلائم هذا التوحيد فهم مخلصون لله في أخلاقهم كما كانوا مخلصين له في أعمالهم ، هذا معنى إخلاص العبد دينه لله قال تعالى : « هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ » : المؤمن : ٦٥.
٤ ـ وأما إخلاصه تعالى عبده له فهو ما يجده العبد في نفسه من الإخلاص له منسوبا