فلقوا أباهم وكلموه أن يرسل يوسف معهم غدا يرتع ويلعب وهم له حافظون فلم يرض به يعقوب واعتذر أنه يخاف أن يأكله الذئب فلم يزالوا به يراودونه حتى أرضوه وأخذوه منه وذهبوا به معهم إلى مراتع أغنامهم بالبر فألقوه في جب هناك وقد نزعوا قميصه.
ثم جاءوا بقميصه ملطخا بدم كذب إلى أبيهم وهو يبكون فأخبروه أنهم ذهبوا اليوم للاستباق وتركوا يوسف عند متاعهم فأكله الذئب وهذا قميصه الملطخ بدمه.
فبكى يعقوب وقال : ( بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ ) ، ولم يقل ذلك إلا بتفرس إلهي ألقي في روعه ، ولم يزل يعقوب يذكر يوسف ويبكي عليه ولا يتسلى عنه بشيء حتى ابيضت عيناه من الحزن وهو كظيم.
ومضى بنوه يراقبون الجب حتى جاءت سيارة فأرسلوا واردهم للاستقاء فأدلى دلوه فتعلق يوسف بالدلو فخرج فاستبشروا به فدنى منهم بنو يعقوب وادعوا أنه عبد لهم ثم ساوموهم حتى شروه بثمن بخس دراهم معدودة.
وسارت به السيارة إلى مصر وعرضوه للبيع فاشتراه عزيز مصر وأدخله بيته وقال لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وذلك لما كان يشاهد في وجهه من آثار الجلال وصفاء الروح على ما له من الجمال البديع فاستقر يوسف في بيت العزيز في كرامة وأهنإ عيش ، وهذا أول ما ظهر من لطيف عناية الله بيوسف وعزيز ولايته له حيث توسل إخوته بإلقائه في الجب وبيعه من السيارة إلى إماتة ذكره وتحريمه كرامة الحياة في بيت أبيه أما إماتة الذكر فلم ينسه أبوه قط ، وأما مزية الحياة فإن الله سبحان بدل له بيت الشعر وعيشة البدوية قصرا ملكيا وحياة حضرية راقية فرفع الله قدره بعين ما أرادوا أن يحطوه ويضعوه ، وعلى ذلك جرى صنع الله به ما سار في مسير الحوادث.
وعاش يوسف في بيت العزيز في أهنإ عيش حتى كبر وبلغ أشده ولم يزل تزكو نفسه ويصفو قلبه ويشتغل بربه حتى توله في حبه وأخلص له فصار لا هم له إلا فيه فاجتباه الله وأخلصه لنفسه وآتاه حكما وعلما وكذلك يفعل بالمحسنين.
وعشقته امرأة العزيز وشغفها حبه حتى راودته عن نفسه وغلقت الأبواب ودعته