النسوة ويحكم بينه وبينهن ولما أحضرهن وكلمهن في أمره اتفقن على تبرئته من جميع ما اتهم به وقلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء ، وقالت امرأة العزيز : ( الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ) فاستعظم الملك أمره في علمه وحكمه واستقامته وأمانته فأمر بإطلاقه وإحضاره معززا وقال : ( ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا ) حضر و ( كَلَّمَهُ قالَ : إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ ) وقد محصت أحسن التمحيص واختبرت أدق الاختبار.
قال يوسف : ( اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ ) أرض مصر ( إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ) حتى أهيئ الدولة في هذه السنين السبع المخصبة التي تجري على الناس لإنجائهم مما يهددهم من السنين السبع المجدبة فأجابه الملك على ذلك فقام يوسف بالأمر وأمر بإجادة الزرع وإكثاره وجمع الطعام والميرة وحفظه في المخازن بالحزم والتدبير حتى إذا دهمهم السنون المجدبة وضع فيهم الأرزاق وقسم بينهم الطعام حتى أنجاهم الله بذلك من المخمصة ، وفي هذه السنين انتصب يوسف لمقام عزة مصر ، واستولى على سرير الملك فكان السجن طريقا له يسلك به إلى أريكة العزة والملك بإذن الله ، وقد كانوا تسببوا به إلى إخماد ذكره ، وإنسائه من قلوب الناس ، وإخفائه من أعينهم.
وفي بعض تلك السنين المجدبة دخل على يوسف إخوته لأخذ الطعام فعرفهم وهم له منكرون فاستفسرهم عن شأنهم وعن أنفسهم فذكروا له أنهم أبناء يعقوب وأنهم أحد عشر أخا أصغرهم عند أبيهم يأنس به ولا يدعه يفارقه قط فأظهر يوسف أنه يشتاق أن يراه فيعرف ما باله يخصه أبوه بنفسه فأمرهم أن يأتوه به إن رجعوا إليه ثانيا للامتيار ، وزاد في إكرامهم وإيفاء كيلهم فأعطوه العهد بذلك ، وأمر فتيانه أن يدسوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون.
ولما رجعوا إلى أبيهم حدثوه بما جرى بينهم وبين عزيز مصر وأنه منع منهم الكيل إلا أن يرجعوا إليه بأخيهم بنيامين فامتنع أبوهم من ذلك ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم فراجعوا أباهم وذكروا له ذلك وأصروا على إرسال بنيامين معهم إلى مصر وهو يأبى حتى وافقهم على ذلك بعد أن أخذ منهم موثقا من الله ليأتنه به إلا أن يحاط بهم.