وفي قصصهم عبرة وبيان للحقائق وهدى ورحمة للمؤمنين.
قوله تعالى : « وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ » أي ليس من شأن أكثر الناس لانكبابهم على الدنيا وانجذاب نفوسهم إلى زينتها وسهوهم عما أودع في فطرهم من العلم بالله وآياته أن يؤمنوا به ، ولو حرصت وأحببت إيمانهم ، والدليل على هذا المعنى الآيات التالية.
قوله تعالى : « وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ » الواو حالية أي ما هم بمؤمنين والحال أنك ما تسألهم على إيمانهم أو على هذا القرآن الذي ننزله عليك وتتلوه عليهم من أجر حتى يصدهم الغرامة المالية وإنفاق ما يحبونه من المال عن قبول دعوته والإيمان به.
وقوله : « إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ » بيان لشأن القرآن الواقعي وهو أنه ممحض في أنه ذكر للعالمين يذكرون به ما أودع الله في قلوب جماعات البشر من العلم به وبآياته فما هو إلا ذكر يذكرون به ما أنستهم الغفلة والإعراض وليس من الأمتعة التي يكتسب بها الأموال أو ينال بها عزة أو جاه أو غير ذلك.
قوله تعالى : « وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ » الواو حالية ويحتمل الاستئناف والمرور على الشيء هو موافاته ثم تركه بموافاة ما وراءه فالمرور على الآيات السماوية والأرضية مشاهدتها واحدة بعد أخرى.
والمعنى أن هناك آيات كثيرة سماوية وأرضية تدل بوجودها والنظام البديع الجاري فيها على توحيد ربهم وهم يشاهدونها واحدة بعد أخرى فتتكرر عليهم والحال أنهم معرضون عنها لا يتنبهون.
ولو حمل قوله : « يَمُرُّونَ عَلَيْها » على التصريح دون الكناية كان من الدليل على ما يبتني عليه الهيأة الحديثة من حركة الأرض وضعا وانتقالا فإنا نحن المارون على الأجرام السماوية بحركة الأرض الانتقالية والوضعية لا بالعكس على ما يخيل إلينا في ظاهر الحس.
قوله تعالى : « وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ » الضمير في « أَكْثَرُهُمْ » راجع إلى الناس باعتبار إيمانهم أي أكثر الناس ليسوا بمؤمنين وإن لم تسألهم عليه أجرا