قوله تعالى : « حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا » إلى آخر الآية ذكروا أن يأس واستيئس بمعنى ، ولا يبعد أن يقال : إن الاستيئاس هو الاقتراب من اليأس بظهور آثاره لمكان هيئة الاستفعال وهو مما يعد يأسا عرفا وليس باليأس القاطع حقيقة.
وقوله : « حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ » إلخ متعلق الغاية بما يتحصل من الآية السابقة والمعنى تلك الرسل الذين كانوا رجالا أمثالك من أهل القرى وتلك قراهم البائدة دعوهم فلم يستجيبوا وأنذروهم بعذاب الله فلم ينتهوا حتى إذا استيئس الرسل من إيمان أولئك الناس ، وظن الناس أن الرسل قد كذبوا أي أخبروا بالعذاب كذبا جاء نصرنا فنجيء بذلك من نشاء وهم المؤمنون ولا يرد بأسنا أي شدتنا عن القوم المجرمين.
أما استيئس الرسل من إيمان قومهم فكما أخبر في قصة نوح : « وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ » : هود : ٣٦ « وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً » : نوح : ٢٧ ويوجد نظيره في قصص هود وصالح وشعيب وموسى وعيسى عليهالسلام.
وأما ظن أممهم أنهم قد كذبوا فكما أخبر عنه في قصة نوح من قولهم : « بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ » : هود : ٢٧ ، وكذا في قصة هود وصالح وقوله : « فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً » : أسرى ١٠١.
وأما تنجية المؤمنين بالنصر فكقوله تعالى : « وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ » الروم : ٤٧ وقد أخبر به في هلاك بعض الأمم أيضا كقوله : « نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ » : هود : ٥٨ « نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ » : هود : ٦٦ « نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ » : هود : ٤ ، إلى غير ذلك.
وأما إن بأس الله لا يرد عن المجرمين فمذكور في آيات كثيرة عموما وخصوصا كقوله : « وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ » يونس : ٤٧ ، وقوله : « وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ » : الرعد : ١١ إلى غير ذلك من الآيات.