الأحوال القلبية ، وكذلك عمل الواحد بالنسبة إلى أعمال من معه من بني نوعه من حيث التأثير والتأثر ، وكذلك أعمال الأولين بالنسبة إلى أعمال الآخرين وأعمال اللاحقين بالنسبة إلى أعمال السابقين ، وفي المتقدمين أئمة الهدى والضلال المسئولون عن أعمال المتأخرين ، وفي المتأخرين الأتباع والأذناب المسئولون عن غرور متبوعيهم المتقدمين ، قال تعالى : « فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ » : الأعراف ٦ ، وقال : « وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ » : يس : ١٢.
ثم الجزاء لا يتخلف الحكم الفصل.
وهذا الشأن على هذا النعت لا يتم إلا باجتماع من الناس بحيث لا يشذ منهم شاذ.
ومن هنا يظهر أن مسألة الآحاد من الناس في قبورهم وجزاءهم فيها بشيء من الثواب والعقاب على ما تشير إليه آيات البرزخ وتذكره بالتفصيل الأخبار الواردة عن النبي صلىاللهعليهوآله وأئمة أهل البيت عليهالسلام غير ما أخبر الله تعالى به من حساب يوم القيامة والجزاء المقضي به هناك من الجنة والنار الخالدتين فإن الذي يستقبل الإنسان في البرزخ هو المسألة لتكميل صحيفة أعماله ليدخر لفصل القضاء يوم القيامة ، وما يسكن فيه في البرزخ من جنة أو نار إنما هو كالنزل المعجل للنازل المتهيئ للقاء والحكم ، وليس ما هناك حسابا تاما ولا حكما فصلا ولا جزاء قاطعا كما يشير إليه نظائر قوله. « النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ » : المؤمن : ٤٦ ، وقوله : « يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ » : المؤمن : ٧٢ فترى الآية تعبر عن عذابهم بالعرض على النار ثم يوم القيامة بدخولها وهو أشد العذاب ، وتعبر عن عذابهم بالسحب في الحميم ثم بالسجر في النار وهو الاشتعال وقوله تعالى : « بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ » : آل عمران : ١٧٠ فالآية صريحة في عالم القبر ولم تذكر حسابا ولا جنة الخلد وإنما ذكرت شيئا من التنعم إجمالا.
وقوله تعالى : « حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ » : المؤمنون : ١٠٠ تذكر الآية أنهم بعد الموت في حياة برزخية متوسطة بين الحياة الدنيوية التي هي لعب ولهو والحياة الأخروية التي هي حقيقة الحياة كما قال : « وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا