« يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ » الآية.
قوله تعالى : « فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ » قال الراغب : أجمعت على كذا أكثر ما يقال فيما يكون جمعا يتوصل إليه بالفكرة نحو ( فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ). قال : ويقال أجمع المسلمون على كذا اتفقت آراؤهم عليه. انتهى.
وفي المجمع ، : أجمعوا أي عزموا جميعا أن يجعلوه في غيابة الجب أي قعر البئر واتفقت دواعيهم عليه فإن من دعاه داع واحد إلى الشيء لا يقال فيه أنه أجمع عليه فكأنه مأخوذ من اجتماع الدواعي. انتهى.
والآية تشعر بأنهم أقنعوا أباهم بما قالوا له من القول وأرضوه أن لا يمنعهم أن يخرجوا يوسف معهم إلى الصحراء فحملوه معهم لإنفاذ ما أزمعوا عليه من إلقائه في غيابة الجب.
وجواب لما محذوف للدلالة على فجاعة الأمر وفظاعته ، وهي صنعة شائعة في الكلام ترى المتكلم يصف أمرا فظيعا كقتل فجيع يحترق به القلب ولا يطيقه السمع فيشرع في بيان أسبابه والأحوال التي تؤدي إليه فيجري في وصفه حتى إذا بلغ نفس الحادثة سكت سكوتا عميقا ثم وصف ما بعد القتل من الحوادث فيدل بذلك على أن صفة القتل بلغت من الفجاعة مبلغا لا يسع المتكلم أن يصرح به ولا يطيق السامع أن يسمعه.
فكأن الذي يصف القصة ـ عز اسمه ـ لما قال : « فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ » سكت مليا وأمسك عن ذكر ما فعلوا به أسى وأسفا لأن السمع لا يطيق وعي ما فعلوا بهذا الطفل المعصوم المظلوم النبي ابن الأنبياء ولم يأت بجرم يستحق به شيئا مما ارتكبوه فيه وهم إخوته وهم يعلمون مبلغ حب أبيه النبي الكريم يعقوب له فيا قاتل الله الحسد يهلك شقيقا مثل يوسف الصديق بأيدي إخوته ، ويثكل أبا كريما مثل يعقوب بأيدي أبنائه ، ويزين بغيا شنيعا كهذا في أعين رجال ربوا في حجر النبوة ونشئوا في بيت الأنبياء.
ولما حصل الغرض بالسكوت عن جواب لما جرى سبحانه في ذيل القصة فقال : « وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ » إلخ.
قوله تعالى : « وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ » الضمير ليوسف