ونقل عن ابن أشتة في المصاحف بإسناده عن أبي جعفر الكوفي ترتيب مصحف أبي وهو يغاير المصحف الدائر مغايرة شديدة ، وكذا عنه فيه بإسناده عن جرير بن عبد الحميد ترتيب مصحف عبد الله بن مسعود آخذا من الطوال ثم المئين ثم المثاني ثم المفصل وهو أيضا مغاير للمصحف الدائر.
وقد ذهب كثير منهم إلى أن ترتيب السور توقيفي وأن النبي صلىاللهعليهوآله هو الذي أمر بهذا الترتيب بإشارة من جبريل بأمر من الله سبحانه حتى أفرط بعضهم فادعى ثبوت ذلك بالتواتر وليت شعري أين هذا التواتر وقد تقدمت عمدة روايات الباب ولا أثر فيها من هذا المعنى ، وسيأتي استدلال بعضهم على ذلك بما ورد من نزول القرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا جملة ثم منها على النبي صلىاللهعليهوآله تدريجا.
وثالثا : أن وقوع بعض الآيات القرآنية التي نزلت متفرقة موقعها الذي هي فيه الآن لم يخل عن مداخلة من الصحابة بالاجتهاد كما هو ظاهر روايات الجمع الأول وقد تقدمت.
وأما رواية عثمان بن أبي العاص عن النبي صلىاللهعليهوآله : ( أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية بهذا الموضع من السورة ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ ) الآية فلا تدل على أزيد من فعله صلىاللهعليهوآله في بعض الآيات في الجملة لا بالجملة ، وعلى تقدير التسليم لا دلالة لما بأيدينا من الروايات المتقدمة على مطابقة ترتيب الصحابة ترتيبه صلىاللهعليهوآله ، ومجرد حسن الظن بهم لا يسمح للروايات بدلالة تدل بها على ذلك وإنما يفيد أنهم ما كانوا ليعمدوا إلى مخالفة ترتيبه صلىاللهعليهوآله فيما علموه لا فيما جهلوه. وفي روايات الجمع الأول المتقدمة أوضح الشواهد على أنهم ما كانوا على علم بمواضع جميع الآيات ولا بنفسها.
ويدل على ذلك الروايات المستفيضة التي وردت من طرق الشيعة وأهل السنة أن النبي صلىاللهعليهوآله والمؤمنين إنما كانوا يعلمون تمام السورة بنزول البسملة كما رواه أبو داود والحاكم والبيهقي والبزار من طريق سعيد بن جبير ـ على ما في الإتقان ، ـ عن ابن عباس قال : كان النبي صلىاللهعليهوآله لا يعرف فضل السورة ـ حتى تنزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم ـ زاد البزار : فإذا نزلت عرف أن السورة قد ختمت واستقبلت ـ أو ابتدأت سورة أخرى.
وأيضا عن الحاكم من وجه آخر عن سعيد عن ابن عباس قال : كان المسلمون لا يعلمون انقضاء السورة حتى تنزل بسم الله الرحمن الرحيم فإذا نزلت علموا أن السورة