وبالجملة الروايات السابقة ـ كما ترى ـ آحاد محفوفة بالقرائن القطعية نافية للتحريف بالزيادة والتغيير قطعا دون النقص إلا ظنا ، ودعوى بعضهم التواتر من حيث الجهات الثلاث لا مستند لها.
والتعويل في ذلك على ما قدمناه من الحجة في أول هذه الأبحاث أن القرآن الذي بأيدينا واجد للصفات الكريمة التي وصف الله سبحانه بها القرآن الواقعي الذي أنزله على رسوله صلىاللهعليهوآله ككونه قولا فصلا ورافعا للاختلاف وذكرا وهاديا ونورا ومبينا للمعارف الحقيقية والشرائع الفطرية وآية معجزة إلى غير ذلك من صفاته الكريمة.
ومن الحري أن نعول على هذا الوجه فإن حجة القرآن على كونه كلام الله المنزل على رسوله صلىاللهعليهوآله هي نفسه المتصفة بهاتيك الصفات الكريمة من غير أن يتوقف في ذلك على أمر آخر وراء نفسه كائنا ما كان فحجته معه أينما تحقق وبيد من كان ومن أي طريق وصل.
وبعبارة أخرى لا يتوقف القرآن النازل من عند الله إلى النبي صلىاللهعليهوآله في كونه متصفا بصفاته الكريمة على ثبوت استناده إليه صلىاللهعليهوآله بنقل متواتر أو متظافر ـ وإن كان واجدا لذلك ـ بل الأمر بالعكس فاتصافه بصفاته الكريمة هو الحجة على الاستناد فليس كالكتب والرسائل المنسوبة إلى المصنفين والكتاب ، والأقاويل المأثورة عن العلماء وأصحاب الأنظار المتوقفة صحة استنادها إلى نقل قطعي وبلوغ متواتر أو مستفيض مثلا بل نفس ذاته هي الحجة على ثبوته.
وثانيا : أن ترتيب السور إنما هو من الصحابة في الجمع الأول والثاني ومن الدليل عليه ما تقدم في الروايات من وضع عثمان الأنفال وبراءة بين الأعراف ويونس وقد كانتا في الجمع الأول متأخرتين.
ومن الدليل عليه ما ورد من مغايرة ترتيب مصاحف سائر الصحابة للجمع الأول والثاني كليهما كما روي أن مصحف علي عليهالسلام كان مرتبا على ترتيب النزول فكان أوله اقرأ ثم المدثر ثم نون ثم المزمل ثم تبت ثم التكوير وهكذا إلى آخر المكي والمدني نقله في الإتقان عن ابن فارس ، وفي تاريخ اليعقوبي ترتيب آخر لمصحفه عليهالسلام.