وكان الناس على رغبة شديدة في أخذ القرآن وتعاطيه ولم يترك هذا الشأن ولا ارتفع القرآن من بينهم ولا يوما أو بعض يوم حتى جمع القرآن في مصحف واحد ثم أجمع عليه فلم يبتل القرآن بما ابتليت به التوراة والإنجيل وكتب سائر الأنبياء.
أضف إلى ذلك روايات لا تحصى كثرة وردت من طرق الشيعة وأهل السنة في قراءاته صلىاللهعليهوآله كثيرا من السور القرآنية في الفرائض اليومية وغيرها بمسمع من ملإ الناس ، وقد سمي في هذه الروايات جم غفير من السور القرآنية مكيتها ومدنيتها.
أضف إلى ذلك ما تقدم في رواية عثمان بن أبي العاص : في تفسير قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ ) الآية النحل : ٩٠ من قوله صلىاللهعليهوآله إن جبريل أتاني بهذه الآية ـ وأمرني أن أضعها في موضعها من السورة ، ونظير الرواية في الدلالة ما دل على قراءته صلىاللهعليهوآله لبعض السور النازلة نجوما كآل عمران والنساء وغيرها فيدل على أنه صلىاللهعليهوآله كان يأمر كتاب الوحي بإلحاق بعض الآيات في موضعها.
وأعظم الشواهد القاطعة ما تقدم في أول هذه الأبحاث أن القرآن الموجود بأيدينا واجد لما وصفه الله تعالى من الأوصاف الكريمة.
وبالجملة الذي تدل عليه هذه الروايات هي : أولا : أن الموجود فيما بين الدفتين من القرآن هو كلام الله تعالى فلم يزد فيه شيء ولم يتغير منه شيء وأما النقص فإنها لا تفي بنفيه نفيا قطعيا كما روي بعدة طرق أن عمر كان يذكر كثيرا آية الرجم ولم تكتب عنه وأما حملهم الرواية وسائر ما ورد في التحريف ـ وقد ذكر الآلوسي في تفسيره أنها فوق حد الإحصاء ـ على منسوخ التلاوة فقد عرفت فساده وتحققت أن إثبات منسوخ التلاوة أشنع من إثبات أصل التحريف.
على أن من كان له مصحف غير ما جمعه زيد أولا بأمر من أبي بكر وثانيا بأمر من عثمان كعلي عليهالسلام وأبي بن كعب وعبد الله بن مسعود لم ينكر شيئا مما حواه المصحف الدائر غير ما نقل عن ابن مسعود أنه لم يكتب في مصحفه المعوذتين وكان يقول : إنهما عوذتان نزل بهما جبرئيل على رسول الله صلىاللهعليهوآله ليعوذ بهما الحسنين عليهالسلام ، وقد رده سائر الصحابة وتواترت النصوص من أئمة أهل البيت عليهالسلام على أنهما سورتان من القرآن.