من إرسالها أو مقدر يقدرها ويحدها ، لكنه سبحانه يحكم لا معقب لحكمه ولا مانع يقاومه فلا يمنع عن إنجاز مغفرته ورحمته شيء ولا يحدهما أمر إلا أن يشاء ذلك هو جل وعز ، فليس لأحد أن ييأس من مغفرته أو يقنط من روحه ورحمته استنادا إلى مانع يمنع أو رادع يردع إلا أن يخافه تعالى نفسه كما قال : ( لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ ) الزمر : ٥٤.
وليس لأحد أن يحقر عذابه أو يؤمل عجزه أو يأمن مكره والله غالب على أمره ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.
قوله تعالى : ( وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ ) الضيف معروف ويطلق على المفرد والجمع وربما يجمع على أضياف وضيوف وضيفان لكن الأفصح ـ كما قيل ـ أن لا يثنى ولا يجمع لكونه مصدرا في الأصل.
والمراد بالضيف الملائكة المكرمون الذين أرسلوا لبشارة إبراهيم بالولد ولهلاك قوم لوط سماهم ضيفا لأنهم دخلوا عليه في صورة الضيف.
قوله تعالى : ( إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ ) ضمير الجمع في ( دَخَلُوا ) و ( فَقالُوا ) في الموضعين للملائكة فقولهم : ( سَلاماً ) تحية وتقديره نسلم عليك سلاما وقول إبراهيم عليهالسلام : ( إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ ) أي خائفون والوجل : الخوف.
وإنما قال لهم إبراهيم ذلك بعد ما استقر بهم المجلس وقدم إليهم عجلا حنيذا فلم يأكلوا منه فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة كما في سورة هود فالقصة مذكورة على نحو التلخيص.
وقولهم : ( لا تَوْجَلْ ) تسكين لوجله وتأمين له وتطييب لنفسه بأنهم رسل ربه وقد دخلوا عليه ليبشروه بغلام عليم أي بولد يكون غلاما وعليما ، ولعل المراد كونه عليما بتعليم الله ووحيه فيقرب من قوله في موضع آخر : ( وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا ) الصافات : ١١٢.
قوله تعالى : ( قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ ) تلقى إبراهيم عليهالسلام البشرى وهو شيخ كبير هرم لا عقب له من زوجه وقد أيئسته العادة الجارية