عن الولد وإن كان يجل أن يقنط من رحمة الله ونفوذ قدرته ، ولذا تعجب من قولهم واستفهمهم كيف يبشرونه بالولد وحاله هذه الحال؟ وزوجه عجوز عقيم كما وقع في موضع آخر من كلامه تعالى.
فقوله : ( أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ ) الكبر كناية عن الشيخوخة ومسه هو نيله منه ما نال بإفناء شبابه وإذهاب قواه ، والمعنى إني لأتعجب من بشارتكم إياي والحال أني شيخ هرم فني شبابي وفقدت قوى بدني ، والعادة تستدعي أن لا يولد لمن هذا شأنه ولد.
وقوله : ( فَبِمَ تُبَشِّرُونَ ) تفريع على قوله : ( مَسَّنِيَ الْكِبَرُ ) وهو استفهام عما بشروه به كأنه يشك في كون بشارتهم بشرى بالولد مع تصريحهم بذلك لا استبعاد ذلك فيسأل ما هو الذي تبشرون به؟ فإن الذي يدل عليه ظاهر كلامكم أمر عجيب ، وهذا شائع في الكلام يقول الرجل إذا أخبر بما يستبعده أو لا يصدقه : ما تقول؟
وما تريد؟ وما ذا تصنع؟
قوله تعالى : ( قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِ ـ إلى قوله ـ إِلَّا الضَّالُّونَ ) الباء في ( بِالْحَقِ ) للمصاحبة أي إن بشارتنا ملازمة للحق غير منفكة منه فلا تدفعها بالاستبعاد فتكون من القانطين من رحمة الله وهذا ، جواب للملائكة وقد قابلهم إبراهيم عليهالسلام على نحو التكنية فقال : ( وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ) والاستفهام إنكاري أي إن القنوط من رحمة الله مما يختص بالضالين ولست أنا بضال فليس سؤالي سؤال قانط مستبعد.
قوله تعالى : ( قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ ) الخطب الأمر الجليل والشأن العظيم ، وفي خطابهم بالمرسلين دلالة على أنهم ذكروا له ذلك قبلا ، ومعنى الآية ظاهر.
قوله تعالى : ( قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ ـ إلى قوله ـ لَمِنَ الْغابِرِينَ ) قال في المفردات : الغابر الماكث بعد مضي من هو معه قال تعالى : ( إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ ) يعني فيمن طال أعمارهم ، وقيل : فيمن بقي ولم يسر مع لوط ، وقيل : فيمن بقي بعد في العذاب ، وفي آخر : ( إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ ) وفي آخر : ( قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ ) ـ إلى أن قال ـ والغبار ما يبقى من التراب المثار وجعل على بناء