الدخان والعثار ونحوهما من البقايا. انتهى ولعله من هنا ما ربما يسمى الماضي والمستقبل معا غابرا أما الماضي فبعناية أنه بقي فيما مضى ولم يتعد إلى الزمان الحاضر وأما المستقبل فبعناية أنه باق لم يفن بعد كالماضي.
والآيات جواب الملائكة لسؤال إبراهيم ( قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا ) من عند الله سبحانه ( إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ ) نكروهم ولم يسموهم صونا للسان عن التصريح باسمهم تنفرا منه ومستقبل الكلام يعينهم ثم استثنوا وقالوا : ( إِلَّا آلَ لُوطٍ ) وهم لوط وخاصته وظهر به أن القوم قومه ( إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ ) أي مخلصوهم من العذاب ( أَجْمَعِينَ ) وظاهر السياق كون الاستثناء منقطعا.
ثم استثنوا امرأة لوط من آله للدلالة على أن النجاة لا تشملها وأن العذاب سيأخذها ويهلكها فقالوا ( إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ ) أي الباقين من القوم بعد خروج آل لوط من قريتهم.
وقد تقدم تفصيل قول في ضيف إبراهيم عليهالسلام في سورة هود في الجزء العاشر من الكتاب وعقدنا هناك بحثا مستقلا فيه.
قوله تعالى : ( فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ ) إنما قال لهم لوط عليهالسلام ذلك لكونهم ظاهرين بصور غلمان مرد حسان وكان يشقه ما يراه منهم وشأن قومه شأنهم من الفحشاء كما تقدم في سورة هود والمعنى ظاهر.
قوله تعالى : ( قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ ) الامتراء من المرية وهو الشك ، والمراد بما كانوا فيه يمترون العذاب الذي كان ينذرهم به لوط وهم يشكون فيه ، والمراد بإتيانهم بالحق إتيانهم بقضاء حق في أمر القوم لا معدل عنه كما وقع في موضع آخر من قولهم : ( وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ ) هود : ٧٦ وقيل : المراد ( وأتيناك بالعذاب الذي لا شك فيه ) وما ذكرناه هو الوجه.
وفي آيات القصة تقديم وتأخير لا بمعنى اختلال ترتيبها بحسب النزول عند التأليف بوضع ما هو مؤخر في موضع المقدم وبالعكس بل بمعنى ذكره تعالى بعض أجزاء القصة في غير محله الذي يقتضيه الترتيب الطبعي وتعينه له سنة الاقتصاص لنكتة توجب ذلك.