قوله تعالى : ( وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ) إلى آخر الآيتين يقال : شخص بصره أي سكن بحيث لا يطرف جفنة ، ويقال : بعير مهطع إذا صوب عنقه أي رفعه وهطع وأهطع بمعنى ، ويقال : أقنع رأسه إذا رفعه ، وقوله : لا يرتد إليهم طرفهم أي لا يقدرون على أن يطرفوا من هول ما يشاهدونه ، وقوله : وأفئدتهم هواء أي قلوبهم خالية عن التعقل والتدبير لشدة الموقف أو أنها زائلة.
والمعنى : ولا تحسبن الله ولا تظننه غافلا عما يعمل هؤلاء الظالمون بما تشاهد من تمتعهم وإترافهم في العيش وإفسادهم في الأرض إنما يمهلهم الله ويؤخر عقابهم إلى يوم يسكن فيه أبصارهم فلا تطرف والحال أنهم مادون لأعناقهم رافعون لرءوسهم لا يقدرون على رد طرفهم وقلوبهم مدهوشة خالية عن كل تحيل وتدبير من شدة هول يوم القيامة وفي الآية إنذار للظالمين وتعزية لغيرهم.
قوله تعالى : ( وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ ) إلى آخر الآية. في الآية إنذار بعد إنذار وبين الإنذارين فرق من جهتين : إحداهما : أن الإنذار في الآيتين السابقتين إنذار بما أعد الله من أهوال يوم القيامة وأليم العذاب فيه ، وأما الذي في هذه الآية وما يتلوها فهو إنذار بعذاب الاستئصال في الدنيا ومن الدليل عليه قوله : ( فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ ) إلخ.
وبذلك يظهر أن لا وجه لما ذكره بعضهم أن المراد بهذا اليوم الذي يأتيهم فيه العذاب هو يوم القيامة ، وكذا ما ذكره آخرون أن المراد به يوم الموت.
والثانية : أن الإنذار الأول إنذار بعذاب قطعي لا صارف له عن أمة ظالمة ولا فرد ظالم من أمة وأما الإنذار الثاني فهو إنذار بعذاب غير مصروف عن أمة ظالمة وأما الفرد فربما صرف عنه ، ولذلك ترى أنه تعالى يقول أولا : ( وَأَنْذِرِ النَّاسَ ) ثم يقول : ( فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا ) إلخ ولم يقل : فيقولون أي الناس لأن عذاب الاستئصال لا يصيب المؤمنين قال تعالى : ( ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ ) يونس : ١٠٣ وإنما يصيب الأمة الظالمة بحلول أجلهم وهم طائفة من ظالمي الأمة لا جميع أفرادها.
وبالجملة فقوله : ( وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ ) إنذار للناس بعذاب الاستئصال الذي يقطع دابر الظالمين منهم ، وقد تقدم في تفسير سورة يونس وغيره أن ذلك