الأشياء وتركيب أجزائها بحيث تتناسب فيما بين أنفسها وتناسب ما وراءها ومن ذلك ينتشر الخير الكثير.
ووصفه تعالى بأحسن الخالقين يدل على عدم اختصاص الخلق به وهو كذلك لما تقدم أن معناه التقدير وقياس الشيء من الشيء لا يختص به تعالى ، وفي كلامه تعالى من الخلق المنسوب إلى غيره قوله : « وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ » المائدة : ١١٠ وقوله : « وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً « العنكبوت : ١٧.
قوله تعالى : « ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ » بيان لتمام التدبير الإلهي وأن الموت من المراحل التي من الواجب أن يقطعها الإنسان في مسير التقدير ، وأنه حق كما تقدم في قوله تعالى : « كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً » الأنبياء : ٣٥.
قوله تعالى : « ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ » وهذا تمام التدبير وهو أعني البعث آخر مرحلة في مسير الإنسان إذا حل بها لزمها ولا يزال قاطنا بها.
قوله تعالى : « وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ » ، المراد بالطرائق السبع بقرينة قوله : « فَوْقَكُمْ » السماوات السبع وقد سماها طرائق ـ جمع طريقة ـ وهي السبيل المطروقة لأنها ممر الأمر النازل من عنده تعالى إلى الأرض ، قال تعالى : « يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ » الطلاق ـ ١٢ ، وقال : « يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ » الم السجدة ـ ٥ ، والسبل التي تسلكها الأعمال في صعودها إلى الله والملائكة في هبوطهم وعروجهم كما قال : « إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ » فاطر ـ ١٠ ، وقال : « وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ » مريم ـ ٦٤.
وبذلك يتضح اتصال ذيل الآية « وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ » بصدرها أي لستم بمنقطعين عنا ولا بمعزل عن مراقبتنا بل هذه الطرائق السبع منصوبة بيننا وبينكم يتطرقها رسل الملائكة بالنزول والصعود وينزل منها أمرنا إليكم وتصعد منها أعمالكم إلينا.
وبذلك كله يظهر ما في قول بعضهم : إن الطرائق بمعنى الطباق المنضودة بعضها فوق بعض من طرق النعل إذا وضع طاقاتها بعضها فوق بعض ، وقول آخرين : إنها بمعنى المبسوطات من طرق الحديد إذا بسطه بالمطرقة.
على أن اتصال ذيل الآية بصدرها على القولين غير بين.