ولا سبق فيها شيء يناظر ما له من الخواص والأوصاف كالحياة والقدرة والعلم فهو منشأ حادث مسبوق بالعدم.
والضمير في « أَنْشَأْناهُ » ـ على ما يعطيه السياق ـ للإنسان المخلوق عظاما مكسوة باللحم فهو الذي أنشأ وأحدث خلقا آخر أي بدل وهو مادة ميتة جاهلة عاجزة موجودا ذا حياة وعلم وقدرة ، فقد كان مادة لها صفاتها وخواصها ثم برز وهو يغاير سابقته في الذات والصفات والخواص ، فهو تلك المادة السابقة فإنها التي صارت إنسانا ، وليس بها إذ لا يشاركها في ذات ولا صفات ، وإنما له نوع اتحاد معها وتعلق بها يستعملها في سبيل مقاصدها استعمال ذي الآلة للآلة كالكاتب للقلم.
وهذا هو الذي يستفاد من مثل قوله : « وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ » الم السجدة : ١١ ، فالمتوفى والمأخوذ عند الموت هو الإنسان ، والمتلاشي الضال في الأرض هو البدن وليس به.
وقد اختلف العطف في مفردات الآية بالفاء وثم ، وقد قيل في وجهه إن ما عطف بثم له بينونة كاملة مع ما عطف عليه كما في قوله : « ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً » « ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً » ، « ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ » ، وما لم يكن بتلك البينونة والبعد عطف بالفاء كقوله : « فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ».
قوله تعالى : « فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ » قال الراغب : أصل البرك بالفتح فالسكون ـ صدر البعير. قال : وبرك البعير ألقى ركبه واعتبر منه معنى اللزوم.قال : وسمي محبس الماء بركة بالكسر فالسكون ـ والبركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء قال تعالى : « لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ » وسمي بذلك لثبوت الخير فيه ثبوت الماء في البركة والمبارك ما فيه ذلك الخير.
قال : ولما كان الخير الإلهي يصدر من حيث لا يحس وعلى وجه لا يحصى ولا يحصر قيل لكل ما يشاهد منه زيادة غير محسوسة هو مبارك وفيه بركة. انتهى.
فالتبارك منه تعالى اختصاص بالخير الكثير الذي يجود به ويفيضه على خلقه وقد تقدم أن الخلق في أصله بمعنى التقدير فهذا الخير الكثير كله في تقديره وهو إيجاد